في مشافهة بمناسبة رأس السنة لفت زميل لي النظر الى اننا ننتظر عاما من الصعوبات، فوجدت في حافظتي سطورا الوذ فيها للجواب، اقول:
نعم، ننتظر عاما نواجه فيه امورا صعبة، لكن لا يصح ان ننسى ان الحياة نفسها صعبة، ولو لم تكن صعبة لما خرجنا من بطون أمهاتنا نبكي. شيء واحد يجعل الحياة سهلة ورقراقة، كما يقترحه علينا البلهاء، هو ان نهجر الحياة الى صومعة لا يدخلها اوكسجين الاخرين.
اما الامم التي تعزل نفسها، فانها لن تحصل على حياة اجدر وانعم على اية حال. بطل رواية ماركيز (مائة عام من العزلة) العقيد اورليانو هتف في لحظة احتجاج على عزلة اختارها ابناء جلدته: “انظروا الى البلاء الذي جلبناه لانفسنا».
وإذ نعترف بصعوبة امورنا، فاننا احيانا نلوذ بغيرنا اتقاء مصاعب الحياة، او مماشاة لهم، ولا ندري ان للوذ احكاما وضرورات. في نهج البلاغة، كما اورده مستطرف هادي العلوي، كان الامام قد ركب لحاجة، فاتبعه رجلٌ يمشي خلفه، فقال له: إرجعْ، فان مشي (شخص)مثلك مع (شخص) مثلي فتنة للمتبوع، ومذلة للتابع.
على مستوى اوسع، علينا ان نقرّ بان بلادنا تمر في ظروف صعبة، وشاقة، فثمة حاجة لبناء المصانع والشواهد وخطوط الماء والكهرباء والعمران والمدارس وشبكات النقل والبريد وبناء وحماية السدود وكري الانهار، وثمة حاجة لبناء البشر والنفوس مما شابها من تصدع ومعايب ومكاره وتجفيف مصادر الفتن والاباطيل، وانه كلما قللنا من شأن هذه الصعوبات والمشاق فاننا لا نغير من الامر شيئا، وقد نسيء، في ذلك، الى انفسنا وبلادنا معا، لأننا سنلقي على الثغرات والفجوات والاخطاء والاخطار غلالة مخادعة من ستائر الحرير تخدر الناس وتمنعهم من الكفاح لقهر التحديات.
والحال، فاننا ينبغي ان لا نلقي بكلفة هذه المصاعب على غيرنا، او ان نبْسطها على قارعة الطريق ليتكرم علينا كل من هب ودب بفتات الإحسان. ان ثمة كرامات علينا ان نحميها من الابتذال. كان ابو ذر الغفاري قد مر في موقف ينبغي ان نتذكره دائما، فقد ارسل له (الخليفة) ثمانين الف دينار مع احد عبيده، وقال الحاكم للعبد: إنْ قبَلها منك ابو ذر فانتَ حرٌ، فذهب الرجل (العبد) الى ابي ذر وعرضها عليه قائلا: يا أبا ذر، إقبلها، فان فيها عتقي. فاجابه ابو ذر: إن كان فيها عتقك، فإنّ فيها رقّي.
الى ذلك علينا ان نحذر، فليس كل من يدعي انه يعيش مصاعب الحياة هو على حق، فثمة البعض يمثل امامنا دور المعوز والمحتاج والمظلوم على غير حق. وفي رواية من التاريخ، جاءت امرأة تخاصم رجلا لدى احد القضاة، وهي تبكي، وكان عند القاضي احد الادباء، فقال للقاضي «لقد فطرتْ قلبي، ما اظنها إلا مظلومة» فقال له القاضي: «يا هذا، إن اخوة يوسف جاءوا اباهم عشاء يبكون».
ـــــــــــــــــــــ
تولستوي:
.»»عندما لا توجد الحديقة، لا يوجد البستاني
عبدالمنعم الأعسم
عام الصعوبات
التعليقات مغلقة