متابعة الصباح الجديد:
إن لم يكن في حياتك طفل في الأعوام الأولى من عمره، فعلى الأرجح لم تسمع من قبل بتطبيق «يوتيوب كيدز»: النسخة المنقحة من منصة الفيديو «يوتيوب» لتناسب الفئة العمرية المستهدفة.
مقاطع الفيديو التي تظهر على سطح التطبيق، من بين العدد الهائل من مقاطع الفيديو التي ينشرها المستعملون على يوتيوب، تولِّدها خوارزمية تضع في حساباتها تاريخ البحث والمشاهدة وبياناتٍ أخرى لتنتقي عن طريقها المقاطع التي قد يريد الأطفال مشاهدتها.
نافذة على نفوس الأطفال
تقول هيذر كيركوريان، الأستاذ المساعد بقسم التنمية البشرية بجامعة ويسكونسن ماديسون: إن «عددًا قليلًا من الناس ينظرون في هذا، في العام الأخير، بدأنا نرى أبحاثًا عن التطبيقات وشاشات اللمس». وهو أمرٌ منطقي، ففي عصر الإنترنت المحمول، بدأ أبناء جيل الألفية، ممن هجروا مشاهدة التلفاز هِجرانًا جماعيًا، في إنجاب الأطفال. وهو ما يجعل تطبيقات الأجهزة المحمولة والحواسيب هي الاختيار الأكثر شعبية في عصرنا لمُشاهدة المحتوى المخصص للأطفال. بدلًا عن مكافأة الطفل بمشاهدة حلقة من مسلسل كارتوني مدتها 30 دقيقة، يحصل الطفل على 30 دقيقة من تصفح المقاطع الأجهزة اللوحية والهواتف الذكية.
التطبيق الذي نتحدث عنه تحديدًا هو «يوتيوب كيدز»، النسخة المنقحة من «يوتيوب» التي تستعمل خوارزميات خاصة تستهدف الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة.
تعمل خوارزميات المواقع الإلكترونية والتطبيقات كمرشحاتٍ تتتبع ما تجده مثيرًا على وفق عدة عوامل، ثمَّ ترسل لكَ مزيدًا من هذا المحتوى. هكذا ترتفع مشاهدات المقاطع الناجحة، ما يدفع صنَّاع المحتوى ومقاطع الفيديو إلى صنع محتوى مشابه تمرره الخوارزميات مرة أخرى إلى المستعمل (أو الطفل في هذه الحالة) لينقر عليه ويشاهده.
تعني هذه العملية أن المحتوى يخضع لاختيار الأطفال بدرجةٍ كبيرة، وأنَّهم يوجهون صناع المحتوى إلى ما يمسُّهم ويثير اهتمامهم ويمتعهم. وهو ما يجعل من تطبيق «يوتيوب كيدز» انعكاسًا هائل الحجم لرغبات الأطفال، ونافذة على نفوسهم.
ماذا يشاهد الأطفال على يوتيوب كيدز؟
المقاطع الموجهة للأطفال هي من ضمن المحتوى الأكثر مشاهدة في تاريخ يوتيوب ، اذ يقدِّم يوتيوب كيدز مقاطع رسوم متحركة عالية الجودة، إضافةً إلى مقاطع من برامج تليفزيونية شهيرة، وأغاني الأطفال.
تُناسب مقاطع «يوتيوب كيدز» بطرائقٍ عدة سعة الانتباه القصيرة عند الأطفال، وفقًا لمايكل ريتش، أستاذ طب الأطفال بكلية طب هارفارد: «هي مناسبة بحكم مدتها أكثر من برنامجٍ تليفزيوني مدته نصف ساعة». ويُقارن ريتش وآخرون «يوتيوب كيدز» ببرنامج «عالم سمسم»، الذي تميَّز بتقديم مقاطع قصيرة في إطار حلقة أطول، مستهدفًا الحفاظ على انتباه المشاهدين الصغار.
ومدة المقاطع ليست السبب الوحيد لجاذبية التطبيقات على غرار «يوتيوب كيدز» عند الأطفال.
وقد صمَّمت هيذر كيركوريان وفريقها سلسلة من التجارب تنظر في دور التفاعلية في مُساعدة الأطفال على تلقي المعلومات، ووجدت اختلافاتٍ مذهلة فيما يتعلمه الأطفال «حتى الأطفال دون العامين « حين يُتاح لهم التفاعل مع تطبيق عوضًا عن مجرد مشاهدة المحتوى عبر الشاشة. كذلك وجد باحثون آخرون أن التفاعل يُساعد الأطفال على حفظ المعلومات بطريقةٍ أفضل.
وتُضيف هيذر: إن الأمر على ما يبدو يتعلق أيضًا بفعل الاختيار نفسه. «امتلاك نوع من الفاعلية يصنع فارقًا عند الأطفال الصغار».
ففي حين يطلب الطفل موزة ويبدأ أحد الكبار في تقشيرها له، فإنه يبكي ويضرب الأرض بقدميه، ويطلب واحدة أخرى يزيل قشرتها بيديه، بالرغم من فهمه أنَّها ستكون الموزة نفسها، لا يميزها شيء عن سابقته.
لكن تظل أسباب ذلك فيما يتعلق بمحتوى الأطفال خاضعة للتكهنات.
وتذهب إحدى الأفكار إلى أن الأطفال يحبون مشاهدة المحتوى نفسه مرارًا وتكرارًا حتى يتسنى لهم فهمه، وهو ما يعني، وفقًا لهيذر، أنهم «سيتفاعلون بطريقة تخدم أهدافهم التعليمية إن أتيحت لهم الفرصة لاختيار ما يشاهدونه»، لأن تعلم المعلومات الجديدة مُشبِع، على حد قولها.
وهذا قد يفسر أعداد المشاهدات الهائلة على مقاطع «يوتيوب كيدز».
محتوى التطبيق
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن محتوى التطبيق لا يخضع لتدخلٍ من جانب يوتيوب، فيما عدا رقابة لاحقة تستبعد المحتوى غير اللائق. وهو يؤدي أحيانًا إلى نفاذ بعض المقاطع غير المناسبة للأطفال من ثغرات الخوارزمية، كما حدث العام الماضي حين قدم التطبيق للأطفال مقطعًا يُظهر شخصيات كارتونية شبيهة بميكي ماوس تُطلق النار على رؤوس بعضها البعض.
وينتهي التقرير إلى أن الآثار طويلة المدى الناشئة عن إتاحة الهواتف والأجهزة اللوحية للأطفال غامضة، ومتداخلة مع كل تعقيدات العيش في عالمٍ متشابكٍ من المحتوى المُتاح حسب الطلب