الرباط – وكالات :
مشهد النساء ينزلن إلى الحقول قبل شروق الشمس بهي جداً، لا أجمل منه في قرية آيت يحيى المغربية هو عملهن اليومي وسط الزهور، يقطفنها ويبعنها بكامل عطرها وألقها وجمالها لأجل تأمين دخل ضئيل
قطف الورد طقس عمل نسائي جميل بالقرب من مدينة قلعة مكونة الجبلية، جنوب شرق المغرب. كلّ فلّاحة تخرج من بيت طينيّ قديم تحمل معها منديلاً خفيفاً، وتمشي في مسالك ترابية فتقطع النهر تحت أشجار الجوز الضخمة ثم تصل إلى شجيرات الورد الدمشقي وتمضي ساعتين في القطاف، لتعود محمّلة ببضعة كيلوغرامات تبيع الواحد منها بـ15 درهماً (1.5 دولار أميركي).
المشهد الحالم لا يغيب على طول واحة دادس، أو «آسامر» بالأمازيغية، ونهرها في الجنوب الشرقي للمغرب. في قرية آيت يحيى تقول فاطمة بو تزكزاوين وفاطمة أحمد مع فلّاحات أخريات يعملن بعيداً عمّا يروّج له «مهرجان الورد» السنوي والتعاونيات والشركات المسيطرة على قطاع الورد في قلعة مكونة.
تنضم الفاطمتان مع عشر نساء لتعاونية «لاروم» الحديثة، جميعهنّ يقطفن الورد الدمشقي «دامسكينا» ويبعنه بهدف مساعدة عائلاتهنّ.
مات زوج بو تزكزاوين وترك لها 5 أبناء أعالتهم وحدها من بيع الورد ومواسم مختلفة، كذلك، تعيل أحمد أحفادها. تنضم إلى التعاونية نساء أرامل، وفتيات عازبات ممن يطمحن في حياة أفضل.
تستيقظ النساء في آيت يحيى قبل طلوع الفجر. هو شرط أساسي في القطاف لتجنب الحرارة المرتفعة، وذلك ما يمكّنهن من الحصول على ورد جيد.
يشكل الورد المزروع على طول واحة دادس موسماً قديماً، عززته الحماية الفرنسية من خلال إنشاء أول معمل للتقطير سنة 1938. انتقلت الوردة ذات الأصل الهندي عبر إيران وسوريا إلى المغرب بواسطة الحجاج أو القوافل التجارية. لكن، لم تتطور آليات القطاف وحافظت على قالبها التقليدي، أي باستعمال الكفيّن، وقد تضع النساء في أيديهن كفوفاً للحماية من شوك الورد، وأحياناً «لا نتخذ تجاهه أي احتياط، بل نستعمل الملقط لإزالته لاحقاً» كما تقول بو تزكزاوين. يضعن البتلات في كيس من الخيش أو البلاستيك أو في منديل مليء بالثقوب يسمح بدخول الهواء.
من أجل العيش
ما زال الورد كأيّ محصول زراعي آخر بالنسبة لمعظم الفلاحين يؤمّن لهم مدخولاً إضافياً. فهو ليس المحصول الرئيسي، بل بالكاد يزرع عشوائياً أو يستخدم كسياج لحماية الحقول. لكنّ صنفاً آخر من الفلاحين والفلاحات وبنسب قليلة انضموا إلى تعاونيات عائلية وغير عائلية فيعملون في حقول تابعة لشركات خاصة، ويستفيدون أكثر من «سلسلة» الورد، أي قطفه وتقطيره وصنع مستحضرات منه وبيعه.
مع انطلاق مشروع مخطط «المغرب الأخضر» اكتست زراعة الورد مفهوماً عصرياً وبدأت زراعته على هيئة صفوف طولية، وأدخل الفلاحون آليات جديدة للريّ، فبات حجم الإنتاج السنوي يصل إلى 3 آلاف طن وفق «المكتب الجهوي للفلاحة» في ورزازات (جنوب شرق).
فاطمة بو تزكزاوين وفاطمة أحمد ومعظم نساء القرى الرابضة على ضفتيّ وادي دادس، يسعين إلى رفع مدخولهن عبر البيع المباشر للورد أو الانضمام إلى التعاونيات. تقول أحمد بالأمازيغية، وتشرح بو تزكزاوين بالعربية، إنّ تعاونيتهنّ الصغيرة تحتاج إلى أدوات وآلات لتقطير الورد وتصنيعه. تضيفان: «نحن حالياً نبيع الورد فقط. ونريد الأدوات لنصنّع الصابون العطري والكريمات وماء الورد والزيت».
تعتمد النساء على موسم الورد للتجهيز للأعراس أو شراء الملابس، ويتداولن عادة أنهنّ يشترين ما يلزمهنّ بالدَين حتى يحين موسم الورد، وبمشهد مهيب تغني النساء بالأمازيغية في أثناء القطف أو الحصاد: «اللّهم صلّي على النبي… أحسن ما يُقال… يا حقل يا جناين… عقبى للعام المقبل… نحيا ويحيا، ويعيش أصحاب الحقل… لو كان البيدر قريباً مني لكنت أفضل الفلاحين… امنحني يا الله طقساً لطيفاً بدلاً من الحرارة الحارقة… لا إله إلاّ الله يا دار الآخرة، ما مصيري هناك؟».
من قرية إيغل مكون، تقول الحاجة فاطمة وهي عائدة من حقلها تحمل كيلوغراماً تقريباً من الورد الدمشقي في منديل، إنّها تقطف الورد كلّما أصبح جاهزاً للقطاف، وستعود إلى الحقل مرة أخرى. ما قطفته ستجففه ثم ستذهب به إلى السوق لاحقاً: «لا أعرف كم يبيعونه في السوق، ابني يتكفل بذلك».
الحاجة التي تتوكأ على عصا وتبلغ أكثر من ثمانين عاماً تتذكر أنّها أمضت طفولتها في حقول القمح والورد. واليوم، ربما يصل دخلها من بيع الورد سنوياً إلى نحو ألفي درهم (210 دولارات) بحسب الموسم.
تلجأ «لاروم» إلى مصنع «التعاونية الفلاحية لعطور الجنوب» لبيع الورد الذي تقطفه نساء قرية آيت بن يحيى. هناك يجري تقطيره واستخراج ماء الورد والزيت منه بحسب درجات حرارة وكميات معينة من الماء. يشرح محمد، العامل في المصنع طريقة التقطير: «يفرز الورد عند وصوله، فالورد المفتّح لديه قدرة على إخراج الماء والزيت أكثر من الورد المضموم». يضيف: «يُقطّر ماء الورد عن طريق البخار وليس تسخين الماء مباشرة بحرارة معتدلة تتراوح ما بين 36 مئوية و40، في آلات مصنوعة من الصلب الذي لا يصدأ. يكفي 100 كيلوغرام من الورد لاستخراج عدة لترات من الماء المقطر. أمّا الزيت العطري الباهظ الثمن فنحتاج إلى خمسة أطنان لاستخراج 5 لترات من الزيت».
ارتفاع السعر
من جهتها، أنشأت إدريسية آيت حدّو التعاونية الأولى في قلعة مكونة للنساء العاملات في قطاف الورد وتصنيعه عام 2011 بعدما استولت التعاونيات العائلية والشركات الخاصة، كمعمل التقطير الفرنسي وبعض المعامل الأخرى، على قطاع الورد. لم يكن أمام آيت حدّو، ابنة دادس، التي عملت مستشارة تنموية في تمكين النساء مع منظمة «تحدي الألفية» من خيار فرض وجود النساء اللواتي يحملن الموسم على أكتافهنّ طوال العام من خلال تعاونية وصلت الآن بتسويق منتجاتها الخاصة إلى دول بعيدة كسويسرا وألمانيا وهولندا وكندا والصين وحتى إلى الولايات المتحدة الأميركية قريباً.
تقول: «موسم الورد ليس مجرد زراعة وقطف الورد، بل موسم ثقافي توارثناه عن أجدادنا، ويعمل فيه الرجال والنساء من السادسة إلى الثامنة صباحاً على مدار شهر، ويُباع الورد أو يُرسل إلى التعاونيات فتجني القاطفات والعاملات مدخولاً منه».
تعيش النساء في واحة دادس ظروفاً صعبة، فهن لسن المستفيدات من الورد بالدرجة الأولى بالرغم من تعبهن.
تشرح آيت حدو: «كان عمل النساء متعباً من دون نتائج لأنّ الورد كان يُباع للشركات والمعامل بأثمان هزيلة إذ لا يصل إلى 5 دراهم (نصف دولار) إلّا أنّ ثمنه تغير بعد عام 2011 وبات الكيلوغرام منه يُباع للتعاونيات بـ 18 درهماً للكيلو غرام (نحو دولارين)».