ذيول “النخب” العشائرية والطائفية

غير القليل من الضاجين على مسرح أحداث المشهد الراهن، من المنتسبين لنادي “النخب” (مثقفين وإعلاميين وسياسيين وأكاديميين والمتجحفلين معهم بدرجة “علمية”) يحرصون على عدم مفارقة أسمائهم للختم القبلي والعشائري أو الطائفي، فهذا الجبوري وذاك الموسوي والحسيني وذاك الساعدي والتميمي والعبيدي، وغير ذلك من سكراب الألقاب التي هجرتها سلالات بني آدم بعد سلسلة الثورات العلمية والقيمية الى حيث المعاني الجديدة لعالم هذبته القوانين والتشريعات والمدونات الحضارية التي انتصرت للإنسان من دون تمييز على أساس الجنس أو السلالة أو الانتماءات البدائية والمتخلفة. لقد شكل العديد منهم قسماً كبيراً من غرائبية المشهد الراهن، لا سيما عندما ينبرون للدفاع عن قيم وفكر الحداثة وما بعدها ويرطنون بما ضمته قواميسها من مصطلحات ومفاهيم صاغها سبينوزا أو كانط أو كارل ماركس، من دون الإحساس بثقل الذيل الخرافي الذي يكشف ملامحهم الفعلية المتنافرة وسناين ما يدعون من منظومات حداثوية. طبعاً يمكن تفهم مثل هذه الاصطفافات لدى سياسيو حقبة “الفتح الديمقراطي المبين” والى حد ما إعلاميوها البراغماتيون جداً، لكن يصعب فهم ذلك لدى من صدع رؤوسنا بعشقه لاجترار ديباجات ويافطات التنوير والتغيير والديمقراطية والمواطنة والحريات. بالتأكيد نحن لا نتوقع منهم اقتفاء أثر تلك القافلة من المفكرين الأحرار الذين شقوا بمآثرهم وإبداعهم وشجاعتهم الدروب التي أوصلت عالمنا الى ما هو عليه اليوم من رقي على شتى الجبهات المادية والروحية والتشريعية، لكن نتمنى منهم التخلص من ذيولهم الخاصة وذلك أضعف الإيمان..!
جميع التجارب الناجحة التي صنعت الدول والمجتمعات الحديثة المستقرة والمزدهرة، كان وراءها زعامات وملاكات اعتمدت المدونات الحداثوية لا الخرافية والمنقرضة، وعبر ذلك نجحت في انتشال شعوبها من مستنقعات التخلف الراكدة الى حيث التقدم والتنمية على شتى الجبهات، وهذا ما لم يحصل لسكان هذا الوطن المنكوب، بعد زوال النظام المباد، حيث استردت القبائل والطوائف فتنتها وحيويتها لتبسط سطوتها الواسعة على كل مفاصل ما تبقى من حياة على تضاريسنا المنحوسة. لقد شهدنا جميعاً حجم الاهتمام الذي اولاه سكان المنطقة الخضراء، للطوائف والقبائل والملل على حساب ما تبقى من أسلاب المواطنة وقيم الحياة الحديثة، حيث المؤتمرات والكونفرنسات العشائرية وكرنفالات المبلغين والدعاة والمبلغات واحتفالات وصول الأطفال لسن التكليف الشرعي وغير ذلك من هموم واهتمامات فرسان مرحلة العدالة الانتقالية..!
مثل هذه البيئة والشروط ، حيث “الانتلجينسيا” تحرص على تصدر مثل هذه النشاطات والكرنفالات مصطحبة معها ذيولها وأسمالها وديباجاتها المعتصمة بـ (ثوابت) الأمة؛ لا يمكن أن تفضي لغير المزيد من الخيبات والكوارث على طريق الرسائل الخالدة وفردوسها المنشود. عندما نشير الى مثل هذه الظواهر، فإننا نحاول أن نفكك شيئاً من هذا النحس العضال الذي لا يكف عن مرافقتنا من دون الناس جميعاً، ودور هذه الشريحة في نشر كل هذا اللبس والغموض والمتاهة في المشهد الراهن، عبر نشاطاتها المختلفة في مجال الثقافة والفكر والإعلام، حيث ستلتحق كل فزعات “الإصلاح” و “التغيير” بسابقاتها من دون حصول تحول جذري في منهجها وسلوكها وممارساتها، تبدأ أول خطواته في مفارقتها وتخففها من زوائد وذيول “الهويات القاتلة”..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة