عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق
تتآكل الموارد المالية للدولة بسبب تراجع اسعار النفط، والترهل والهدر، برغم التعليمات بايقاف التعيينيات، والحد من النفقات، والاستقطاعات، والاجازات الطويلة، واجراءات الرقابة. فتمثل تعويضات الموظفين (رواتب، تقاعد، الخ) في موازنة الدولة فقط، نحو 80% من الموارد النفطية البالغة 72 ترليون دينار حسب تقديرات مسودة موازنة 2018. فيزداد اعداد الخريجين والعاطلين عن العمل والفساد، ويواجه الاقتصاد اختناقات مؤلمة. فالثروات والموجودات تحتكرها الدولة، والاستثمارات الحكومية شبه معدومة، والقطاع الاهلي ضعيف، مما يقلل فرص زيادة الموارد غير النفطية وفرص العمالة، خصوصاً مع التغيرات الاساسية في اسواق النفط، ومعدلات النمو السكاني المرتفعة لدينا، وتوجهات العالم للطاقة النظيفة، ناهيك عن التحديات وضرورات التقدم.
لابد من حلول فاعلة. فالحلول التي تطالب بالانتظار وشد الاحزمة، قد لا تعطي ثمارها، خصوصاً مع الاحساس بوجود امكانيات وقدرات. والمطلوب حلول ناجحة تضمن مصالح الجميع، وتستثمر في طاقات معطلة، وتتضمن الحوافز والمشجعات لتحسين شروط الحياة، بتحويل الازمة الى حل، والسلبي الى ايجابي، واللامنتج الى منتج.
هناك تجارب ناجحة. ويمكن للدولة تشريع سياسة ترعاها، عبر البنك المركزي والمصارف، تسمح باستعمال الرواتب والتقاعد كضمانات لتكوين رساميل لمحفظات وشركات ومشاريع، تحفز الاستثمار، وتؤسس لدورات اقتصادية مولدة لقيم حقيقية، وتفتح مجالات عمل للخريجين والعاطلين والقادمين الجدد لسوق العمل. رساميل تتكون من نسبة معينة من ايداعات صلبة، كأن تكون 20% من رأس مال المشروع، يضعها المؤسسون. اما البقية فيغطى عبر اكتتاب يسهم به اصحاب الرواتب بضمان الراتب وبنسبة محددة.. ولنقل ثلثي الراتب واقل.. فالقوانين عالمياً –عند التخلف- لا تحجز الدخل الضروري للحياة، وبعضها يحجز الثلثين، وعندنا الخُمس.
ستبدو وكأنها سياسة تضخمية، وضخ عملة من دون غطاء ومعادل لسلع ونشاطات حقيقية.. لكنه تضخم وضخ ايجابي، وغطاؤه لاحق وليس حاضر. مما سيسمح بتوليد نشاط اقتصادي فعال يمتص الحالة التضخمية ليحولها الى قيم ونشاطات حقيقية تقابل السيولات التي تم ضخها، وهكذا دواليك. فيصبح المكتتب، من دون الاقتطاع من راتبه، حامل اسهم في مشروع منتج، يولد العمالة، ويربي على الخروج من منطق الوظيفة وروتينها وجمودها.. بل يوفر موارد جديدة لحاملي الاسهم، وليتحول الراتب –بالمقابل- الى غطاء حقيقي، يوفر للاقتصاد وعاء تمويلياً آمناً سنوياً بعشرات ترليونات الدنانير.. وهذه اسهل واكثر مرونة واستحصالاً وضمانة من العقار والضمانات الاخرى المعقدة. وسيشجع العادة المصرفية واستعمال العملات الواسعة Broad Money كالصكوك والكمبيالات والعملات الالكترونية، بدل العملة الورقية Narrow Money. ولا يختلف الاجراء -لحد كبير- عن التسليف بضمان الراتب، مع فارق ان التسليف يمثل حراكاً فردياً، وسحباً للسيولات المتوفرة، وانفاقاً في مجالات قد لا تكون استثمارية، او تتجه للخارج.. بينما سيسمح المقترح تكوين الرساميل بمبادرات جماعية ومنظمة، وسيزيد السيولة المطلوبة، ويوجهها نحو الاستثمار وما تطلقه من ايجابيات.
يحدثني الاخ عبد الحسين هنين، وهو مهندس ناجح، وناشط سياسي واجتماعي معروف، ومكافح عرف السجون في ظل النظام السابق، انه وإخوانه في الديوانية يسعون لتأسيس شركة استثمارية برأسمال 2 مليار دينار، لانشاء مشاريع صناعية. وحققوا خلال فترة قصيرة إكتتاباً بـ650 مليون دينار. ماذا سيحصل لو تبنت الدولة والمصرف المركزي قبول مساهمة الموظفين والمتقاعدين بضمانة رواتبهم. وكيف يمكن لترليونات الدنانير سنوياً ان تصبح غطاء لاستثمارات تسهم بانقاذ البلاد، وتساعد في تحسين اداء المصارف، لتقوم بواجباتها الاساسية لتشجيع الادخار والاستثمار. فنحول ظاهرة سلبية كترهل الدولة واستهلاكها وبيروقراطيتها وبطالتها المقنعة، الى وسيلة لاستيعاب العمالة، وزيادة دور الانتاج غير النفطي، وتشجيع الاقتصاد الوطني وتوفير موارد للدولة عبر الضرائب المباشرة وغير المباشرة.
ترهل الدولة نزيف.. فهل بالإمكان تحويله لحل؟
التعليقات مغلقة