متابعة – الصباح الجديد:
سوق الصفافير، أو الصفارين، هو سوق ترجع تسميته بهذا الاسم نسبة للصفر، “معدن النحاس”، حيث يشتهر هذا السوق بصناعة الصحون، والأواني المنزلية، وأباريق الشاي، والكاسات، والملاعق، وإطارات الصور، والفوانيس النحاسية والنقش عليها.
يقع سوق الصفافير في بغداد، وهو عبارة عن مجموعة من المحال المنتشرة في الأزقة الضيقة، الواقعة في منطقة باب الأغا، قريبا من سوق الشورجة في الرشيد، وتباع فيهِ المصنوعات والأدوات النحاسية.
ويعد سوق الصفافير من الأسواق القديمة التي تعود لعصر الخلافة العباسية، وكانت قديماً سوقاً قائمة في درب المسعودة في محلة سوق الثلاثاء، لتوفير احتياجات طلاب المدرسة النظامية، والمدرسة المستنصرية.
على مدار نحو مائتي عام في بغداد، كان هناك أعدادا لا حصر لها من الآباء والأبناء، حيث ان المهنة تعد من المهن المتوارثة، فكانوا يصوغون معدن النحاس على شكل أواني، وأطباق، ومصابيح، في هذا الشارع الضيق المخصص للمشاة، والذي أصبح الآن مكانا لمحال الأقمشة، والمشغولات الجاهزة، بدلاً من محلات الصفارين.
سوق الصفافير هو واحد من دروب محلة بغدادية في عصر الدولة العباسية، تسمى محلة سوق الثلاثاء، وهذه المحلة كانت قريبة من دار الخلافة العباسية، وتحيط بدار الخلافة معاهد ومدارس إسلامية، مما يستبعد إن يكون أهل هذه المهنة قد شغلوه في ذلك العصر، بما يعرف عنهم من ضجيج ناتج عن الطرق على معدن النحاس، وغير ذلك.
ويعرف السوق بسوق مسعود، أو درب المسعودة، كما وصفهُ المؤرخ ابن عبد الحق بأنه درب نافذ إلى مقر المدرسة النظامية، والتي كانت تقع إلى جنوبهِ، وتتصل بهِ دروب وطرق غير نافذة، وهذا الوصف ينطبق على هيئة سوق الصفافير.
يحتوي سوق الصفافير على مسجد أثري قديم، يسمى مسجد الصفارين، وهو من مساجد بغداد التراثية، وتبلغ مساحتهُ 250م2 تقريباً، ويحتوي على حرم مصلى صغير يتسع لأكثر من 40 مصل، ولقد بني هذا المسجد من قبل أحد المحسنين في زمن الدولة العثمانية، وتحديداً في منتصف القرن الثامن عشر.
ويقول هؤلاء الحرفيون إنها مسألة وقت قبل أن تختفي محالهم القليلة، والتي تمتلئ بالأزاميل، والمطارق، والمسامير، وقواطع المعدن الصدئة، والجدران المتسخة، حيث يجلس الحرفيون في سوق الصفافير على مقاعدهم الصغيرة، أو يقفون حفاة من دون أحذية على الورق المقوى، وهم يسحقون قطع المعدن، وهم يعلمون أن مهنتهم على وشك الانقراض، وأنهم ينتمون إلى هذه الطريق الضيقة المنحدرة ذات الجدران الصفراء بالاسم فقط.
ان العامل الأساس الذي أطاح بالسوق وساعد على اندثارهِ تمثل في إستيراد البضائع النحاسية الرخيصة من المصانع الأجنبية، ولقد كان الأجانب سابقاً يشترون التحف من سوق الصفافير التي تشتهر بمصابيح الزيت النحاسية، ودقيقة الصنع، واللوحات المعدنية التي كانت تتزين بآيات القرآن، والتي كتبت بخط عربي جميل، وزخرفة رائعة.
يقول أحد الحرفيين في السوق من الصفارين: “لقد كنا نبيع أي شيء نضعه في المحل”. كما كانت المكاتب الحكومية تبعث بطلبات خاصة للحصول على الهدايا من مصنوعات السوق، حيث كانت السوق تبقى مفتوحة حتى المساء، ولكن في الوقت الحالي فإنها تغلق أبوابها في وقت مبكر، فاليوم هناك القليل جدا من الأفراد سواء كانوا من العراقيين، أو الأجانب يأتون للشراء، بعدما كان يزهو بهم.
سوق الصفافير.. معلم لبغداد القديمة يوشك على الانقراض
التعليقات مغلقة