محاربة الفساد .. واقع الأزمة ومخاض التغيير

عبدالجبارنوري

مثلما وقفنا ضد داعش — لنكن جبهة واحدة ضد الفساد ، نحن مثقلون بمسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية وطنية لمواجهة البعد الأنساني المغيّبْ اليوم ، بفضل تدني الوعي الطبقي وأشاعة الفئوية والهوياتية التي أرّقتْ تقاطعات وجودنا وتلك منسلخة من موجات الفوضى الغائصة في مستنقع نظريات التفكك والأنقسام والفوضى التدميرية بقيادة البعض من أعداء المسيرة الديمقراطية الجديدة من سماسرة السلطة والدم ، أن أعلان الحرب على الفساد المالي ولو جاء متأخرا و يبقى الحضور أفضل من الغياب ، وأن الفساد المالي والأداري هو سبب كل الأشكالات المتفاقمة على المجتمع وسبب مباشر في فشل المشاريع التنموية وظهور تداعيات الفساد الأداري والمالي ومردوداتها السلبية والأستلابية على عموم المجتمع العراقي ، وبالتأكيد أن هذه الظواهر الأقتصادية المعيبة تؤدي حتماً إلى الفوضى السياسية والتي سببها ذاتوية تدفع الفرد للتقمّص بالنرجسية ، وربما عن حب الظهور وأسقاط الآخرين أو ربما وربما لدعوات أنتخابية فكلها تؤدي إلى غياب الموضوعية ، ولآن الحكومات المتعاقبة على السلطة بعد 2004 ولحد اليوم غير جادة في مكافحة الفساد الأداري ونهب المال العام لذا أصبح ينخر عظم المجتمع العراقي وأنتشرت تلك الظاهرة الطفيلية لترقى أن تكون شبحاً مخيفاً بهيئة مؤسسات يديرها مافيات أحرقت الأخضر فالأخضر ثُمّ اليابس ، وعجز في ميزانية الدولة بمقدار 37 ملياردولار ناهيك عن أرتهان البلد بديون خارجية بسبب الفساد الأداري ونهب المال العام ، مما أضطرّ العراق – وهي الكارثة الكبرى – أن يلتجئ إلى صندوق النقد الدولي في الأستدانة لسد العجز ووقوع العراق ضمن هذا الأخطبوط الرأسمالي بدفع الحكومة لنهج فوضوي أرتجالي غير مدروس من الناحية الأقتصادية ، بأنتهاج سياسة التقشف منذُ 2016 تنفيذأ لتوصيات صندوق النقد الدولي ، وهو ما جعل السياسات الأقتصادية للعراق خاضعة لمراكز القرار الخارجي ، والذي دفع المواطن فاتورته منذ السنوات الأربع الأخيرة في نتائج الأصلاحات الأقتصادية العرجاء بتوجيه من الصندوق الدولي أدى إلى تفكيك نظام دعم المنتج الوطني في الغذاء والنفط ( صندوق المقاصّة ) وأستبدالها بمساعدات مباشرة بها ، ورفع سن التقاعد إلى 65 سنة وأستقطاع من رواتب الموظفين والمتقاعدين وغيرها من الأجراءات التي شرعت الحكومة بأتباعها ، وأن الجميع متفق اليوم حول ضعف تدابير سير المالية العامة في بلادنا حيث التردي في الأداء وغياب الشفافية ومواكبة المعلوماتية الرقمية المعصرنة ، وجمود وتخلف في سن القوانين الداعمة لثقافة النهوض والألتحاق بالدول المتقدمة بل تقادم في تطبيق قوانين قديمة ربما ترجع لعهد مجلس قيادة الثورة المنحل ، ولكن مع هذا وهذه أني لستُ سوداوياً في مبادرة مكافحة الفساد صحيح أنها ليست سهلة بيد أنها ليست صعبة فيما أذا تجاوزنا الخطوط الهوياتية والفئوية ووحدنا الخطاب السياسي ووجهنا بوصلتنا حسب ثقافة المواطنة والولاء المطلق لتربة العراق وأستحضار أرواح شهداء أمتناالذين ضحوا بالجود بالدم من أجل الكلمة الحرة ودفع الظلم والشر عن وطننا العراق .

رؤى وملاحظات في أيقاف نزيف الفساد المدمر!؟
المواطن هو مصدر المال العام (لكونه المشمول بالأقتطاع الضريبي ) فهو يعد محور التنمية ومحرك التأريخ ، فيجب الأرتباط بهِ وحمايتهِ والعمل على خدمته وتوفير العيش الكريم لهُ ، أنطلاقاً من هذهِ الديباجة القصيرة المعبرة نطرح بعض هذه الآراء:
-أصلاح المالية العامة اليوم في وطننا العراق ننظر أليها ضمن سياقات تأريخية وسياسية وأجتماعية في عهدها الديمقراطي الجديد ، فنكون ملزمين في أستثمار الجو الديمقرطي وحرياته في رسم هوية عراقية تشخصن تأريخها وقيمها السماوية والوضعية فتكون المحصّلة رسم هوية تحكمها فلسفة جديدة نسيجها العقلانية والتحديث الهادف والموضوعي ، فالأنتفاضات والثورات غالباً ما كانت تحصل بسبب ضعف أو سوء تدبير مالية الدولة والجماعات في ظل أنعدام الشفافية في صرف النفقات ، وضعف العدالة في فرض التكاليف وشيوع الفساد والفئوية والكتلوية ونظم الأمتيازات غير المسبوقة في العراق .
– على مجلس النواب أن يكون لهُ دور ريادي في تشريع القوانين كقانون الكسب الغير مشروع ، وقانون كشف الذمّة للمسؤولين أبندءاً من السلطات الثلاثة وإلى جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية ويكون القانون تأديبيا صارماً كالانموذج الأردني/للأطلاع فقط : يعاقب القانون بالأشغال الشاقة المؤقتة كل من حصل على ثراء غير مشروع لنفسهِ أو لغيره وبغرامة تعادل مقدار ذلك الأثراء ، ورد مثلهُ إلى خزينة الدولة ، ويعاقب القانون الأردني بالحبس أو بالغرامة أو بكلتي هاتين العقوبتين أي شخص شملتهُ أحكام القانون أذا تخلف دون عذر مشروع عن تقديم أقرارات ( الذمّة ) المالية رغم تكليفهِ لذلك ، كما يعاقب بالحبس مدة ستة أشهر ألى ثلاث سنوات كل من قام بأي فعل من الأفعال التالية او قدم عمداً بيانات كاذبة عن الأثراء غير المشروع .
– سماع رأي الحراك المدني الشعبي في الشارع العراقي ولمدة 6 سنوات معبرين عن رفضهم بأحتجاجات مليونية بشعارات سلمية تدعو ألى أستمرار النضال ضد الفساد الأداري ونهب المال العام والأفلات من العقاب ، وتفعيل المساءلة في حق المتورطين وفتح التحقيق الفوري ولا ضير أن تدوّلْ وتكون بأشراف الأمم المتحدة في العراق وفي كل وزارة على حدة .
– محاربة الفساد تبدأ بأنهاء المحاصصة ، أنشاء محكمة خاصة على غرار المحكمة الخاصة في محاكمة نظام البعث ، بديلة عن الهيئات القضائية ، وعدم ألغاء مكاتب المفتشين العموميين ، وتقديم ملفات الكسب الغير مشروع والكشف عن الفارين وأحالتهم ألى القضاء ، نشر ثقافة النزاهة والقيم الخلقية النبيلة بين أطياف الشعب ، والتعاون مع الشرطة الدولية ( الأنتربول ) لتعريفه على المدانين في كشف ملفات الفساد ، ضمان حيادية التحقيقات وعدم تأثرها بالصراع السياسي ، والحذر من الثالوث الوبائي القاتل المحاصصي والطائفي والقومي ) وأن الفساد والأرهاب وجهان لعملة واحدة ( مقتبسات من جريدة الطريق / الشيوعي العراقي ) .
– التشديد على المتهم عند أدانته ،ونتساءل : أية عدالة عندما نسمع عقوبة الجنايات العراقية تحكم بسنة واحدة لسارق مليار دولار ؟!! أو وقف التنفيذ لكبر سنه أو كونه موظفا حكوميا مستمرا بالخدمة وعدم مصادرة أمواله المنقولة وغير المنقولة لرد أموال الدولة منهُ في الأقل ، الأغلبية الساحقة من المجتمع العراقي يطلب الحل الجذري في مكافحة الفساد والجريمة الأقتصادية والمتمثلة بالحراك الجماهيري المدني الشعبي كما ذكرتُ سلفاً ، من المفروض بحكومة الدكتور العبادي أعتماد خطة عمل وخارطة طريق وحصرها بخلية أزمة كما متبع في مكافحة الأرهاب مستندة على ركائز قانونية ودستورية وبمشاركة لمنظمة حقوق الأنسان في العراق بالوقوف ضد الخونة والفاسدين وبائعي الوطن والضمير في تطبيق فقرة الدستور التي تخص أزدواجية الجنسية عند أصحاب القرار ، وأصدار قائمة منع سفر بالمتهمين بسرقة المال العام أو هدره ومرتكبي الجرائم الأقتصادية المضرّة بالبلد والشعب .
– وأثني على مبادرة الحكومة في تكليف المدعي العام العراقي اليوم بخبر عاجل { تشكيل لجان وهيئات قضائية لمتابعة الفساد في العراق } ، وتفعيل دور الهيئات المستقلة ( لجان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والمفتشين العموميين ) وهم أمام أمتحان وطني مجتمعي في أذكاء الوعي الوطني في ثقافة النزاهة أضافة ألى عملها الرقابي الذي ليس من الضروري أن يكون بوليسياً بل تربوياً ووطنياً وذلك لمنع الفساد ومحاربته ولآذكاء وعي الناس فيما يتعلق بوجود الفساد وأسبابهُ وجسامتهُ وما يمثل من خطر بالقيام بأنشطة أعلامية تسهم في عدم التسامح مع الفساد ، وكذلك نشر وعي مدرسي لتشمل المناهج المدرسية والجامعية ، وأخيراً أنها رسالة ألى فخامة رئيس الوزلراء أنها فرصتك الذهبية أمامك في مكافحة الأرهاب لأن المرجعية الدينية معك و حشود الحراك المدني مؤيد لأستئصال الفساد في العراق والصوت العالمي للمواثيق الأممية في تكريس السلام والأمان والعيش الرغيد لبني البشر—- ولنكمل أنتصارات جيشنا وشعبنا على الأرهاب تلك الفئة الضالة ونبني عراقاً آمناً محايداً بعيدا عن ظهور بؤر المحاور والله من وراء القصد.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة