د. جاسم الصفار
كاتب عراقي
من الصعب اعتبار ان الاحداث الاخيرة في اقليم كردستان قد قبرت حلم الاكراد في اقامة وطن لهم ولكن شيء ما كبير ومزعزع لاركان الحلم قد حصل. فمن بين اربع دول يقطنها الاكراد هي سوريا وتركيا وايران والعراق، كانت الاخيرة اكثرها قربا من تحقيق هذا الحلم، ولم يكن يفصلها عن الاستقلال سوى اعلانه. ولكن في غضون ما يقارب الشهر من تاريخ اعلان نتائج الاستفتاء على الاستقلال تمكنت الحكومة الاتحادية من توجيه ضربة موجعة لكل مخطط الانفصال، وقللت من اهمية الاستفتاء ومعه تراجعت كل الامال الطموحة لبناء وطن قومي للاكراد على الاراضي العراقية.
وكانت النتيجة ان تراجع هدف الكرد من الاستقلال الى الحفاظ على كردستان بحدودها الاولى التي كانت عليها قبل 2003 مع ما يوفره الدستور العراقي من حقوق للاقليم، وفرط الكرد نتيجة لاصرارهم على اجراء الاستفتاء، في ظروف غير مناسبة لاجرائه، بالعلاقات الطيبة التي كانت تربطهم بالعديد من دول العالم التي ادارت ظهرها لهم واوقعتهم في عزلة خانقة.
وقد وصل الحال الى ما وصل اليه لان السلطة في اقليم كردستان، نسيت من تكون كردستان واين هو موقعها الحقيقي في الخارطة الجيوسياسية للمنطقة بمجملها. وانه لا يكفي الاعتماد على القدرات الذاتية في هذه المنطقة الشرق اوسطية لانجاز تغيير في توازنات اقليمية مترسخة تاريخيا بين دول تربطها علاقات اقل ما يقال عنها انها حساسة، وان اي محاولة لتغيير التوازنات القائمة كانت ستواجه ردة فعل موحدة من جميع اطراف التوازن الاقليمي لكبح طموح الطرف الذي يرغب في زعزعة تلك التوازنات. الكرد لم يضعوا في حسابهم تعقيدات الوضع القائم واحتمالات تغيراته عند اعلانهم للاستفتاء على الاستقلال، أو انهم كما كتبت صحيفة الشرق الاوسط السعودية، نسوا قانون نيوتن الثالث عن ان لكل فعل ردة فعل توازيه في القوة وتعاكسه في الاتجاه.
و حالة التوازنات الحساسة نفسها، يمكن تشخيصها في الوضع الداخلي للعراق، حيث السلطة تقوم على اساس المحاصصة الطائفية والاثنية التي يعتبر الاكراد احد اجزاء معادلتها، بل واحد الاجزاء المؤسسة لها. وهنا كما في الوضع الاقليمي، لكل حصته المحسوبة حسابا عسيرا ودوره الذي لا يجب ان يتجاوز حدود حصته، لذا فان تجرا جزء من هذا النظام على خلخلة توازناته ستتوحد جميع الاطراف الاخرى ضده.
قبل اكثر من شهر بقليل كانت كردستان العراق في قمة نشوتها وكبريائها وسطوتها، وكانت تعول على السلاح الغربي والحماية الاميركية وتملك قوة مسلحة جيدة التدريب من البيشمركة اضافة الى ارباحها من النفط الذي كانت تصدره بصورة مستقلة عن بغداد الى تركيا وايران، وسيطرتها على مساحات واسعة من الاراضي، بما فيها كركوك الغنية بالنفط، والتي كانت قد بسطت سلطتها عليها منذ عام 2014.
على انه، وكما يقول الروس، فان الشهية تتفتح اثناء الاكل، لذا كانت رغبة رئيس الاقليم مسعود البرزاني عارمة للحصول على الاستقلال التام الموثق قانونيا والذي يدخل به التاريخ كونه المؤسس لاول دولة كردية مستقلة بعد جمهورية مهاباد، تتمدد حدودها لتشمل مساحة اوسع من المساحة الجغرافية التي يشغلها الاقليم، تمنحه بثرواتها الطبيعية مقومات الدولة المستقلة. ولهذا السبب بالذات شمل الاستفتاء الاراضي المتنازع عليها بين الاقليم والدولة الاتحادية. من جهة، اراد الرئيس مسعود البرزاني ان يثبت للعالم وللحكومة الاتحادية رغبة سكان هذه المناطق بالبقاء جزءا من الدولة المقبلة في كردستان العراق وللدخول من جهة اخرى في مفاوضات من موقع قوة مع بغداد، خاصة وان سياسة قيادة اقليم كردستان اعتمدت بالاساس على خلق الوقائع على الارض وفرضها كأمر واقع.
في البداية ظهر وكأن مخطط رئيس الاقليم السيد مسعود البرزاني يتحقق بسلاسة، خاصة وان نتائج الاستفتاء انتهت بتصويت اكثر من 90 % من المشاركين في الاستفتاء لصالح الاستقلال. ثم ليتبين فيما بعد ان الاستفتاء نفسه لم يكن سوى بداية النهاية لمشروع الانفصال واقامة دولة الاكراد القومية المستقلة في كردستان العراق.
كردستان بين الطموح والواقع
التعليقات مغلقة