ما جرى مؤخراً فيما يطلق عليه بـ (المناطق المتنازع عليها) وبنحو خاص في مدينة كركوك، قد يبدو مفاجئاً لغير القليل من متابعي الأوضاع فيها، لكن الامر على غير ذلك عند من كان قريباً من القضية الكوردية وتفصيلات وضعها، على صعيد الفكر والتطبيق وطبيعة العلاقة بين فصائلها المختلفة والمتخاصمة عند مفترق الطرق، وكان متخففاً من وزر المواقف الدوغمائية والرسائل الخالدة. لقد منحتني الأقدار فرصة التعرف عن كثب على جوانب مهمة من تلك التفصيلات، بعد ان رمتني الأوضاع السياسية المتازمة والحملات القمعية التي شنتها اجهزة النظام المباد ضد تنظيماتنا السياسية في العام 1979، الى المناطق الخارجة عن سيطرة النظام المباد في كوردستان، والمتآخمة للحدود العراقية – الايرانية. لقد منحتني تلك الصدفة فرصة التعرف أكثر لا على عدد غير قليل من القيادات السياسية والعسكرية لتلك الاحزاب ومستوى تفكيرها وثقافتها وحسب، بل ساعدتني على اقامة علاقات مباشرة مع سكان تلك المناطق، الذين ما زالت ذاكرتي تحتضن لهم؛ كل ذلك الكرم ومشاعر الحب والحرص التي منحونا اياها وبشكل أكبر حتى من رفاقنا الكورد. لقد تأكدت تماماً من الاختلاف الجذري بين ما يشغل عقل وضمائر هذه القطاعات الواسعة من الشعب الكوردي الخالية من كل ما له صلة بترسانة الضغائن والعقائد الشوفينية والفئوية الضيقة وحطام الآيديولوجيات، وما يستوطن عقل وسلوك عدد غير قليل من المنتسبين لنادي “النخب” من حزبيين ومتطفلين على ولائم الثقافة والاعلام، حيث الخطابات المتشنجة المثقلة بكراهية الآخر المختلف.
لقد دفع سكان هذا الوطن القديم من شتى الرطانات والهلوسات والازياء، وما زالوا يسددون فواتير قاسية وباهضة، لحزمة من الاسباب التي ما زالت مبهمة وبعيدة عن ادراك اصحاب المصلحة الحقيقية فيها، وذلك للدور الذي مارسته وما زالت تواصله هذه “النخب” المتخصصة بتوريط هذه الأقوام والملل بحلقات لا تنتهي من حروب ونزاعات الكراهة وشيطنة الآخر المختلف. من دون سموم هذه “النخب” السياسية والاعلامية والتعبوية، بمقدورنا رسم واقع آخر للعلاقة بين شعوب أقدم مستوطنة عرفتها البشرية، وهذا ما تصفحته في محطات بغداد وجنوب العراق وجبال ووديان كوردستان ومدن الشتات والمنافي التي رمتنا اليها الاقدار لما يقارب الربع قرن (1979-2003) حيث تبين لي بوضوح حقيقة الدور الذي لا يحيدون عنه الى يوم يفطسون؛ والمتمثل بضخ المزيد من السموم شديدة الانفجار لبؤر التوتر اليقظة منها أو النائمة. وبالرغم من ان بسطاء الناس لا وقت لديهم لمثل هذه الحذلقات والرطانات العدوانية، الا انهم غير محصنين من شرورها وتأثيراتها الضارة، ولدينا أمثلة عديدة على ذلك، حيث تساق الجموع تحت ظل تلك اليافطات المتشنجة الى مهالك لا ناقة لها فيها ولا جمل. ان هذه الشريحة التي يذكرنا دورها بـ “حصان طروادة” وكما أشرنا لا يمكن ان تتعاطى بمسؤولية وشجاعة مع ما تخلفه مواقفها وقراراتها المتهورة من نتائج وعواقب، فهي دائماً على حق، وهذه الخصال تجمع بين جميع فصائلها المتناثرة في العاصمة الاتحادية (بغداد) وعاصمة الاقليم (أربيل) وما يطلق عليه بـ “المناطق المتنازعة” وعلى رأسها مدينة كركوك، والتي شهدت ارتفاعاً لاصوات كانت خافتة، قبل ان تدور الدوائر على “صقور” المعسكر الآخر، ليحل مكانها نوع آخر من “الصقور” لكنها لم تشذ عن الطريق الذي خطه الاب الروحي لها جميعاً أي صقر آل فويلح…
جمال جصاني
نخب آل فويلح
التعليقات مغلقة