عبد علي حسن
* سأعد مايرد في مقالتي هذه من مفاهيم وآراء بمنزلة ردود هادئة على وجهات النظر التي تطرح في هذا المؤتمر او ذاك او في هذه الصحيفة أو تلك فيما يتعلق بالحركة النقدية العربية والعراقية وإطلاق توصيف المناهج النقدية المستوردة والمطالبة الدائمة لوضع منهج نقدي محلي او عربي يحمل خصوصية المجتمع العربي والعراقي وينتج من رحم النسيج الاجتماعي والفكري الخاص ، ولاشك بأننا لن نعدم النوايا الطيبة والمخلصة لوجهات النظر هذه والدوافع النبيلة لمحاولات ايجاد منهج نقدي لايفرط بالجهد النقدي العربي منذ الجرجاني الى ابن قدامة والجاحظ والباقلاني والقرطاجني وسواهم من النقاد العرب الذين أثروا النص الإبداعي العربي شعرا ونثرا حتى دخول المغول الى بغداد عام 656 هجرية ودخول الارض العربية في لجج الظلام والتخلف بتعاقب القوى الخارجية في السيطرة عليها لقرون عديدة حتى افول الدولة العثمانية وتقسيم الارض العربية الى دول بعد الحرب العالمية الأولى 1914–1918 م ، ولعل المراجعة السريعة للحركة النقدية العربية منذ ظهور حركة الإحياء العربي وظهور المدارس الفكرية في نهاية القرن التاسع عشر العقود الأولى للقرن العشرين سيتبين لنا الجهد الكبير الذي بذله رواد هذه الحركة من أجل قيام حركة نقدية تجديدية تستفيد من الدرس البلاغي العربي الذي وضع أسسه النقاد العرب القدامى والاتجاهات النقدية العالمية التي تعرّف عليها نقاد حركة الإحياء العربي من خلال الدراسة في الدول الغربية وكذلك من خلال الاتصال بالحركات الادبية العالمية ، ونتيجة للجمع بين هذين التوجهين تمت الدعوة الى المناهج النقدية الرومانسية والواقعية والإنطباعية وتجدر الاشارة الى ان هذه المناهج كانت نتاج مجتمعات غربية مختلفة الا ان أكثرها تأثيرا المناهج الانكليزية والفرنسية مع ظهور لجهد يدعو الى النقد الإسلامي يلاحق الأثر الابداعي عبر صلته بالشريعة الإسلامية وموقف القرآن الكريم من مجمل مايحصل في المجتمع على مستوى الأفراد والجماعة ، الا ان هذا المنهج لم يتمكن من محايثة المتغيرات الحاصلة في المجتمع العربي وظل يدور في منطقة الصلة بين الشريعة والأثر الأدبي فانحسر تأثيره ومنافسته للمناهج الكلتسية والرومانسية والانطباعية التي بدأت بوضع خطوات مهمة على سبيل تخليق حركة نقدية جديدة تتجاوز النقد البلاغي العربي ومتوازية مع الجهد النقدي العالمي ، بكون ان هذه المناهج تقدم اقتراحات علمية لمعاينة الأثر الأدبي اولا ولظهور اشكال أدبية جديدة تتطلب وجهات نظر جديدة لم يأت عليها النقد البلاغي العربي القديم كالرواية والمسرحية وفيما بعد القصة القصيرة والشعر الحديث (التفعيلة)، ولم يجد نقاد تلك الحركة تقاطعا بين هذه المناهج الجديدة ووجهات نظر الأثر الابداعي العربي الذي أثري بالبحث والدراسة العلمية الواعية التي اسهمت في تقدم وتطور الحركة الابداعية ، وما ان ظهر منهج الواقعية الاشتراكية حتى ظهرت بوادر النقد الماركسي المعروف بالنقد الاجتماعي المستنير بطروحات بليخانوف ولوكاتش فيما بعد ، ويلاحظ ان تبني هذه المناهج النقدية كان مرتبطا بتطور النص الابداعي المستجيب للتحولات الاجتماسياسية في البلدان العربية وكذلك أثر التحولات في المجتمع الدولي ، وبظهور البنيوية فقد ظهر النقد النصي الذي يهتم ببنائية النص بصرف النظر عن المؤلف والمتلقي على حد سواء ، ووجد العرب انفسهم امام مقترح نقدي جديد عدّوه مهما في مقاربة النصوص الابداعية واسهم هذا النقد النصي في الكشف عن مناطق جديدة لم يألفها النقد العربي سابقا ، على أن حقبة الستينيات من القرن الماضي شهد قيام تحولات حاسمة في المجتمع الغربي نجم عنها ظهور مناهج مابعد البنيوية المرتبطة بظهور مرحلة مابعد الحداثة التي تعد استمرارا لمرحلة الحداثة التي مثلتها مناهج البنيوية من اسلوبية وسيميائية ، لذا فقد كانت مناهج مابعد البنيوية من التفكيكية ونظرية التلقي والنقد النسوي والبنيوية التكوينية وظهور النقد الثقافي ، كانت نتيجة واستجابة للتحولات الاجتماعية ، ولو راجعنا مصدرية هذه المناهج والنقاد الذين اسهموا في ظهورها لوجدناها مرجعيات فلسفية عالمية على الرغم من ظهورها في المجتمع الفرنسي حيث يعيش هؤلاء النقاد مع اختلاف أصولهم المجتمعية وانتماءاتهم السياسية ، لذا فقد اتصفت هذه المناهج بقدرتها على عبور مواطن التأسيس الى مجتمعات أخرى اسهمت في تقديم إضافات وتداخلات بين هذه المناهج والجهد الفكري المحلي لتقديم مشهد نقدي يتماهى وطبيعة النصوص الابداعية الجديدة الخارجة من تحولات مجتمعاتها وهذا ما يحصل في مجتمعنا العربي والعراقي حيث نلاحظ اجتهاداً في تبني هذه المناهج وتقديم اضافات نقدية على وفق ماينجزه النص الابداعي ، وبذا فقد تحقق التفاعل والتحاور بين المناهج العابرة لموطن ظهورها والحركات النقدية المحلية لضمان وجود جهد نقدي ذي ملامح محلية بعيدا عن النصية والقسرية في تطبيق تلك المناهج ..
وتأسيسا على ماذكرناه نستنتج مايلي :–
* ان المناهج النقدية والبحثية تخرج من معطف الرؤى الفلسفية، وبما أن الخطاب الفلسفي العربي قد توقف منذ 656هجرية فإن امكانية وضع منهج نقدي عبر الفلسفة العربية صار أمرا صعبا بل مستحيلا، فيما عدا بعض المحاولات لايجاد نقد اسلامي الا انها لم تتمكن من محايثة التحول في المجتمع والسياسة والنص مثل محاولات سيد قطب .
* ان الدرس البلاغي العربي القديم لم يعد يستجيب للتحولات النصية الحديثة مقارنة مع موجهات المناهج الحديثة، لذا صار التوجه الى تلك المناهج.
* لم يجد النقاد في هذا التوجه ما يتقاطع وموجهات النص الابداعي المحلي، بل توفرت فرص للدخول الى النص من زوايا متعددة .
* اجتهد النقاد العرب في استخدامهم لتلك المناهج على سبيل الاضافة والاقتراب من النص المحلي .. * هنالك تفاوت في فهم واستيعاب النقاد العراقيين لتلك المناهج وتأثير ذلك عند مقاربتهم للنصوص الابداعية.
* ان المناهج النقدية العابرة تقدم مقترحات صالحة لمقاربة النصوص، لذا فقد امتلكت صفة العالمية.