راحلون

أديب كمال الدين

* زها حديد
********
بعينين أوسع من عيني زرقاء اليمامة
وأجمل من عيني زرقاء اليمامة،
ستكتبين شِعْراً عجيباً
على هَيئِة عماراتٍ وناطحاتِ سحاب
وتهبينه، في كرمٍ حاتميّ، مدنَ العالم.
وسيبتهجُ العالمُ كلّه
ويرقصُ أمامَكِ مثل طفلٍ صغير.
يرقصُ لابنةِ دجلة الحالمة
تلكَ التي كانتْ عماراتُها المُذهلة
وزقّوراتُها الهائلة
صورةً ناطقةً من حكاياتِ شهرزاد،
صورةً راقصةً من حكاياتِ ألف ليلةٍ وليلة.
*
لنْ أقولَ وداعاً لجوهرةِ دجلة،
أعني ملكة دجلة
تلكَ التي لم يُرَ مثلها في النساء.
لكنّي سأعتذرُ لكِ مَرّةً،
بل ألف مَرّة،
لأنَّ دجلة لم تغسلكِ بمائها السِّحْريّ
وأنتِ تموتين – وا حسرتاه – بعيداً بعيداً،
ولأنَّ الفراتَ – وا أسفاه- لم يقبّل الأرضَ بين يديكِ
وأنتِ تقولين للأرضِ وداعاً
بعدَ أنْ تركتِ عليها ألفَ بابٍ مُضيء
بالسِّحْرِ والمُستحيل.

* محمّد القبّانجيّ
************
كانَ صوتُكَ العجيبُ يُزهِرُ بغداد:
بغداد الملوكِ والطمأنينةِ والسلام
قبلَ أنْ يفترسها العسكرُ وتدهسها دبّابةُ الموت.
كانَ صوتُكَ يمتدُّ قوسَ قزحٍ ليعلنَ للناس
أنَّ بغداد مملكة الشِّعرِ والسرِّ وانبثاقِ الحروف،
أنَّ بغداد صانعة الحُبِّ والسِّحرِ والجمالِ العجيب.
الآن لا أحد يذكرُكَ بخيرٍ أو بشرّ
أنتَ الذي كانَ صوتُكَ
ما بين دجلة الحلم ودجلة الروح
طائراً من سماء لا حدَّ لأحلامِها أو لأسرارِها،
بل الآن كلّما أذكر اسمَكَ يضحك صاحبي
ويقول لي هازئاً:
مَن هو القبّانجيّ؟
ثُمَّ ما معنى المَقام؟
ولماذا يئنُّ المُغنّي كلّ هذا الأنين؟

* صاحب الشاهر
************
بعينين حالمتين
رأيتُكَ طفلاً وديعاً يرسمُ الحروف
أو ملاكاً يتعلّمُ فنَّ الكتابة.
وإذا اغتالت الحربُ
بالسيفِ والرمحِ والقنبلة
شبابَكَ الغضّ،
صرتُ أراكَ بعينين دامعتين
طفلاً اختطفهُ اللصوصُ في زحمةِ السوق
أو ملاكاً كسرتْ جناحَه الأبيضَ شظيّةٌ عابثة.
الآن،
بعدَ أربعين عاماً من الموتِ والجَلْجَلَة،
أراكَ بعينين ساخرتين من عبثِ الزمان
طفلاً نسي اسمَه وعنوانَ بيته
مَذهولاً بالملاكِ الذي يتوكّأُ ليلَ نهار
على جناحه المكسور.
********************
صاحب الشاهر (1953-1982)، شاعر عراقي عذب في حضوره الإنساني وموهبته الشعرية. غيّبه الموتُ في أثناء الحرب العراقية الإيرانية وهو في ريعان شبابه.

* خالد جابر يوسف
************
كانَ دورُكَ جُنونيّاً:
أنْ تعلّقَ قلبَكَ على حبلِ الغسيل
في أوّلِ النهار
وترجعه
إلى صدرِكَ عندَ الغروب.
في آخرِ مَرّة،
قيلَ لي أنّكَ قد ذهبتَ إلى حبلِ الغسيل
فلم تجدْ حبلَ الغسيل!
هل سرقهُ الجيران؟
بل قيلَ لي أنّكَ
لم تجدْ قلبَكَ فوقَ الحبل.
فهل سرقهُ ملكُ الموت؟
ليسَ مُهمّاً أنْ أعرف الإجابة،
يا صديقي الذي سبقني إلى واوِ الوداع،
فأنا خبيرٌ بأدوار الجنون
حدّ الجنون.
*************
خالد جابر يوسف: شاعر عراقي غيّبه الموت فجأة إثر نوبة قلبيّة. من أهم أعماله (بحثاً عن المهبَ).
www.adeebk.com

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة