د. عماد علو
بتنحي السيد مسعود بارزاني عن منصب رئاسة اقليم كردستان العراق، فان المشهد السياسي ليس فقط في إقليم كردستان بل في العراق ايضا» يطوي صفحة من التاريخ مليئة بالأحداث التي ازمت الحياة السياسية والاجتماعية بل والأمنية في بلد يعيش مواجهات عسكرية ضد الارهاب منذ اكثر من عقد من الزمان . تداعيات نتائج الاستفتاء الذي قرر اجرائه السيد مسعود بارزاني عززت من موقف المعارضة السياسية في اقليم كردستان التي طالما عارضت سياسات رئيس الاقليم الذي تفرد بالقرار السياسي في الاقليم ، ليجد نفسه في النهاية مجبرا على الرحيل بعد رهانه الفاشل، حتى الآن في الأقل، على فرض استقلال الإقليم، متحديا كل القوى الإقليمية والدولية.
لقد شكلت استقالة مسعود بارزاني سقوطا مدويا لزعيم حاول جاهدا» تحجيم دور اية قوة أو حزب أو حركة أو تيار سياسي في اقليم كردستان عارض سياساته المتفردة ، فبالإضافة الى حركة التغيير گوران المعارضة ، التي أسسها السياسي الكردي نوشيروان مصطفى في عام 2009م ، انطلق في السليمانية بتاريخ 1 /10/2017، تيار معارض جديد لرئيس الإقليم مسعود بارزاني، بزعامة رئيس حكومة الإقليم السابق برهم صالح الذي سبق وأن قدّم استقالته من حزب «الاتحاد الوطني الكردستاني» ليشكل هذا التيار تحت مسمى «التحالف من أجل الديمقراطية والعدالة . وقال صالح، في بيان تأسيس التحالف، بتاريخ 2 تشرين الأول 2017، إن تشكيل التحالف جاء «بغية تحقيق الوئام الاجتماعي ومعالجة الأزمات المتراكمة بسبب سوء الإدارة»، مؤكدا أنه «يجب إيجاد حل جذري لنظام الحكم في العراق وعدم بقاء البلاد أسيرة الصراعات الداخلية والإقليمية».
ان تفاقم الخلافات الموجود بين القوى السياسية الكردستانية ترجع إلى ملفات سياسية تتعلق بالصراعات السياسية والتي بدورها انعكست على المواقف من الاستفتاء وتداعياته ، بعد أن بلغ الوعي السياسي للمجتمع الكردي من المستوى الذي اتاح الفرصة لظهور احزاب وقوى سياسية شكلت معارضة سياسية فاعلة ومؤثرة دفعت رئيس الاقليم المستقيل الى تجميد برلمان اقليم كردستان العراق وعدم السماح لرئيسه يوسف محمد صادق ، ووزراء حركة التغيير كوران المعارضة من الدخول الى اربيل . وهذه المعارضة تطالب اليوم بإصرار على تطبيق الدستور وتحويل نظام الحكم في الاقليم الى النظام البرلماني . وفي وقت يشهد إقليم كردستان جدلا واسعا حول مسألة رئاسة إقليم كردستان، جاء الاستفتاء الذي دعى اليه رئيس الاقليم المستقيل مسعود البارزاني ، ليظهر أن احد ابرز دوافع مسعود برزاني لهذا الاستفتاء ، كانت تتمثل بتمسكه بولاية رابعة كرئيس للإقليم الفيدرالي، و تثبيت سلطة الحزب الواحد، وترحيل مشكلة الرئاسة، والأزمات المالية، والفساد في الإدارة، ضاربا بعرض الحائط المحاولات والمساعي المحلية والدولية، للتوافق السياسي حول الازمات التي افتعلها رئيس الاقليم نتيجة تشبثه بولاية رابعة والتداعيات الخطيرة التي ستنجم عن الاستفتاء الذي دعى اليه ونفذه في 25ايلول 2017 والتي باتت تهدد بتقسيم المنطقة الكردية في شمال العراق الى اقليمين اداريين.
والسؤال المطروح هو عن ماهية اتجاهات المعارضة السياسية في اقليم كردستان ، بعد انتهاء حقبة السيد مسعود بارزاني ؟
القوى والاحزاب السياسية
في كردستان العراق
المشهد السياسي الكردي تمثل بوجود عدد من الاحزاب والقوى السياسية لعبت دورا» مهما» بلورة وتطور التجربة السياسية الكردية في كردستان العراق . وكان من أهم الاحزاب والقوى السياسية الكردية الحزب الديمقراطي الكردستاني(البارتي) الذي تأسس عام 1946 , على يد الزعيم التاريخي الكردي مصطفى البارزاني .ويتزعمه اليوم ابنه مسعود البارزاني ، وتغلب عليه الصبغة العشائرية. وكذلك حزب الاتحاد الوطني الكردستاني (اليكتي)الذي تأسس بتاريخ 22-5-1975 من قبل زعيمه التاريخي جلال الطالباني ، وهو تنظيم ذا ميول ماركسية . كذلك حزب كادحي كوردستان، الذي تأسس في 12 كانون الاول /ديسمبر 1985 , وهو حزب يساري اسسه قادر عزيز، ويرأسه اليوم بلين عبد الله . و الحزب الشيوعي الكردستاني، الذي تأسس بعد الانتفاضة الكردستانية عام 1991 , بعد نقاش مكثف مع الحزب الشيوعي العراقي , ومن ثم تم الاقرار بتأسيس هذا الحزب و يجسد الحزبان ذات المبادئ والقيم والثوابت , ويعتبر الحزب الشيوعي الكردستاني-العراق تطويراً وامتداداً لتنظيم الحزب الشيوعي العراقي
وهناك عدد من الاحزاب وحركات وتيارات الاسلام السياسي في كردستان مثل حزب الاتحاد الإسلامي الذي تأسس عام 1992 بقيادة الشيخ صلاح الدين محمد بهاء الدين، وهو يمثل فكر الإخوان المسلمين . وكذلك «الجماعة الإسلامية» التي اسسها علي بابير والذي انفصل عن الحركة واسس الجماعة الإسلامية عام 2001 . كذلك الحركة الإسلامية التي تأسست في عام 1987 بقيادة الملا عثمان عبد العزيز مرشد الحركة الاسلامية الكردستانية وآلت رئاستها إلى ابني ملا عثمان وهما الملا علي والملا صادق عبد العزيز.
أما حركة التغيير الكردية كوران فقد أسسها السياسي الكردي نوشيروان مصطفى سنة 2009 بعد استقالته من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني وتعد من ابرز احزاب المعارضة في كردستان العراق.
الصراع السياسي
في كردستان بعد 2003
كانت البداية الحقيقية والفعلية لظهور وتبلور المعارضة السياسية في اقليم كردستان العراق بعد عام 2003 هي عندما ارسل عدد من اعضاء المكتب السياسي لحزب الاتحاد الوطني الكردستاني رسالة الى السكرتير العام للحزب جلال الطالباني نهاية عام 2005 طالبوا فيها بإجراء اصلاحات جذرية داخل الحزب وتحديد صلاحيات السكرتير العام وتفعيل المكتب السياسي واجراء انتخابات فرعية داخل الحزب والقيام بإصلاحات شاملة داخل الحكومة وتفعيلها، وتأمين الخدمات الأساسية للمواطنين.
وفي نهاية السّنة ذاتها استقال نوشيروان مصطفى ، نائب السّكرتير العامّ للاتّحاد الوطني الكردستاني من جميع مناصبه داخل الحزب وكرس جهوده لإحداث تغييرٍ في النظام السياسي لإقليم كردستان العراق ، وذلك عن طريق إنشاء معارضة سياسية فاعلة ، عرفت بـحركة التغيير(كوران) شاركت بقائمة مستقلّة في انتخابات 24 تمّوز 2009 ، وحازت القائمة على المركز الثاني، بحصولها على 24 مقعدً ا في برلمان إقليم كردستان العراق .
ومن الجدير بالذكر أن التيار الاسلامي في اقليم كردستان قد شكل هو الآخر تيارا» سياسيا» معارضا» داخل البرلمان الكردستاني تألف من الاتحاد الاسلامي والجماعة الاسلامية وحصل الاتحاد الاسلامي في انتخابات 2009 على ستة مقاعد والجماعة الإسلامية على اربعة مقاعد وقائمة الرافدين الآشورية على مقعدين.
واذا نظرنا بتمعّنٍ في نتائج الانتخابات هذه، وقارناها بنتائج انتخابات المجلس الوطنيّ للإقليم سنة 2005 فإنّنا نرى أنّ الفارق الكبير و يتمثّل في صعود معارضة سياسية منظمة ومتماسكة لم تكن مشاركة في الحياة السياسية بصورة مستقلّة من قبل وهي حركة التّغيير(كوران) وحصولها على نحو ربع أصوات الناخبين. ولم تشارك حركة التغيير في حكومة الاقليم في تلك المرحلة بسبب تشكيل الحكومة بحسب المقاييس القديمة حسب رأي الحركة.
ومنذ فوزها بالمركز الثاني في الانتخابات البرلمانية الأخيرة بالإقليم تستقطب حركة «تغيير» الأضواء بعد أن دفعت الاتحاد الوطني الكردستاني إلى المركز الثالث، وفرضت أجندات سياسية جديدة على الجميع، في محاولتها اجراء تغيير جذري على شكل وطبيعة نظام الحكم في اقليم كردستان العراق من خلال كسر احتكار السلطة من قبل الحزبان الرئيسيان ومحاولتها تغيير رئاسة اقليم كردستان المتمثلة بشخص مسعود البارزاني ، على وفق مواد وفقرات دستور كردستان . الامر الذي اثار حفيظة مسعود بارزاني وأخذ الأمور بنحو شخصي وقام بالانقلاب على الشرعية في إقليم كردستان برغم انتهاء ولايته والتمديد الممنوح له في 19 آب 2015 وعدم سماح القانون رقم 19 لسنة 2013 بالتمديد له، ولكنه لم يوافق على ترك منصبه وتمسك به لذا منع رئيس برلمان إقليم كردستان يوسف محمد من دخول اربيل وعطل عمل البرلمان الممثل الشرعي لشعب إقليم كردستان، كما منع أربع وزراء في حكومة الإقليم من ممارسة عملهم في أربيل، وهؤلاء جميعا اعضاء في حركة التغيير. واتهم مسعود البارزاني وقتها حركة التغيير بانها وراء التظاهرات المطالبة بصرف الرواتب المتوقفة التي خرجت ضد الحزب الديمقراطي الكردستاني ، بينما دعت كوران إلى إلغاء ما سمته تفرد الحزب الديمقراطي الكردستاني بالقرار السياسي في الإقليم، معتبرة تمسك البارزاني بالرئاسة تجاوزا للدستور والقوانين..
الاستفتاء والصراع السياسي في كردستان العراق
بعد دعوة مسعود بارزاني لإجراء الاستفتاء على استقلال كردستان العراق في 25 ايلول 2017، طفت الى السطح خلافات سياسية كردية – كردية ، حيث قالت النائبة عن كتلة «الاتحاد الوطني الكردستاني»، آلا طالباني، في بيان صحافي، نشرته على صفحتها، إنّ «رئيس إقليم كردستان، مسعود البارزاني، وحزبه يمارسان سياسة التمويه والاستغفال أمام الشعب الكردي في مسألة الاستفتاء»، مؤكدة أنّ «البارزاني يقود حملة الاستفتاء، ويظهر أنّه غير معني بالدستور العراقي والحكومة المركزية والبرلمان العراقي، لأنّه فقد القناعة بالفيدرالية وبالعمل المشترك مع العراق».
اما «حركة التغيير» الكردستانية، «فقد طالبت بعدم استغلال مشروع الاستفتاء في إقليم كردستان لمصلحة حزب أو عائلة أو شخص معيّن». وقال المتحدّث باسم الحركة، شورش حاجي، خلال اجتماع للحركة، إنّه «يجب إنهاء حالة احتكار السلطة في إقليم كردستان، وأهمية احترام القانون، وعدم استغلال الاستفتاء ذريعة لتأجيل انتخابات مجالس محافظات الإقليم وبرلمان كردستان»، مؤكدًا أنّ «مشروع الحزب الديمقراطي الكردستاني، والأحزاب التي تسايره، هو مشروع حزبي، ويجب ألا يكون ذريعة للتنصل من الفساد الحاصل في واردات النفط والعقود النفطية المريبة»، مشددًا على «أهمية إجراء إصلاحات جذرية في القطاع المالي في كردستان».
ونتيجة لمحاولة السيد مسعود بارزاني استثمار نتائج الاستفتاء بالضغط على خصومه السياسيين ، من خلال تشكيله لمجلس سياسي بزعامته في اربيل مطلع شهر تشرين الاول اكتوبر 2017، دون التشاور مع بقية القوى والاحزاب السياسية في كردستان العراق ، تصاعدت حدة الخلافات بين الحزبين الرئيسين في إقليم كردستان العراق، وهما الاتحاد الوطني الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني ، على خلفية تشكيل المجلس السياسي الكردستاني . حيث وصف عضو المكتب السياسي للاتحاد الوطني هيرو إبراهيم أحمد، عقيلة زعيم حزب الاتحاد الوطني الراحل جلال طالباني، إنها ليست مع تشكيل المجلس القيادي السياسي الكردستاني الجديد، ولن تسانده، وهو خطأ كبير. كما ألمحت هيرو إبراهيم أحمد في بيان لها، أن الهدف من استفتاء الانفصال لم يكن تقرير مصير الشعب الكردي، “وما زال شعبنا يدفع ثمن العناد”، في إشارة إلى بارزاني. من جهتها حذرت حركة التغيير المعارضة السلطتين التنفيذية والتشريعية في الحكومة الاتحادية والأحزاب السياسية العراقية من التعامل مع “مجلس القيادة الكردستانية/عراق”، فيما عدّ عضو الكتلة هوشيار عبدالله أن المجلس شبيه بمجلس قيادة الثورة المنحل ويعد ضربة للمؤسسات الشرعية في إقليم كردستان. فيما عدّت الجماعة الإسلامية الكردستانية «تشكيل هذا المجلس السياسي لا يحمل شرعية قانونية كما أنه سيسهم في تعميق المشكلات وتفكيك وحدة الصف الكردستاني»، عادةً أن «هذه الخطوة تدل على أن المتسلطين مستمرون في توجهاتهم وقراراتهم الخاطئة التي تسبب في تأزيم الوضع». وتأتي تلك التصريحات من مسؤولين في الاتحاد الوطني وحركة التغيير المعارضة والجماعة الإسلامية لتظهر حجم الخلافات داخل البيت الكردي بعد استفتاء الانفصال…. كل ذلك عزز من موقف قوى المعارضة الكردية في اطار المشهد السياسي الكردي ليجبر مسعود بارزاني على التنحي اخيرا» عن منصبه كرئيس للإقليم مما شكل هزيمة سياسية مريرة بالنسبة للبارزاني خصوصا» بعد دخول القوات الاتحادية للمناطق المتنازع عليها، أبرزها منطقة كركوك الغنية بالنفط ، والتي كانت تدر نحو نصف دخل الإقليم، والاوضاع التي افرزتها نتائج وتداعيات استفتاء الانفصال الذي عزل الاقليم سياسيا» عن المحيطين الاقليمي والدولي ، ووسط هذه المعمعة السياسية وأمام هذا الخطأ في الحسابات الجيوسياسية، حاول مسعود بارزاني الدفاع عن نفسه بإلقاء اللوم على قوى المعارضة الكردية التي اتهمها بـ»الخيانة العظمى» .
لتنتهي بذلك حقبة مسعود بارزاني مما سيتيح المجال أمام قيادات سياسية جديدة للإقليم ، ربما تكون أكثر قبولا لدى الحكومة العراقية ومعها دول الجوار.. ولكن السؤال الأهم هو ما اذا كانت نهاية حقبة بارزاني ستساهم في تخفيف الاحتقان السياسي في الإقليم واحتواء الصراعات الداخلية بين القوى الكردية خصوصا بين أربيل والسليمانية .
* مستشار المركز الاوربي لمكافحة الارهاب