بون ـ جاسم محمد
مازالت دول الأتحاد الأوروبي تعيش هاجس تفكك، هذا الاتحاد، بعد ان عصفت به قضية اقليم كاتلونيا الاسباني، ومطالباته بالانفصال الى جانب مطالبات اقاليم اوروبية اخرى، فهل جاء اشعار دفاع اوروبا في هذا التوقيت ردا على مطالبات الانفصال؟ وهل ممكن تحقيقه وسط تحديات امنية داخلية وخارجية تعصف بهذا الأتحاد؟
اعلنت 23 دولة من أصل 28 دولة عضو بالاتحاد الأوروبي التزامها بتعاون أمني بعيد المدى، ما يؤسس لإقامة «اتحاد دفاعي أوروبي». ووقع وزراء دفاع وخارجية الدول الثلاث والعشرين يوم 13نوفمبر 2017 إشعارا بعزمهم إقامة «التعاون الهيكلي الدائم» في الأمن والدفاع ، (بيسكو ) Pesco، والذي يتيح للدول التعاون بشكل أوثق لبناء القدرات العسكرية.
وتأتي هذه الخطوة في وقت يبدي فيه البعض تخوفه من تراجع الأميركيين عن حماية أوروبا عسكريا. ومنذ إخفاق اوروبا باقامة دفاع موحد، قبل 60 عاما، لم ينجح الأوروبيون يوما في التقدم بهذا المجال. وكذلك في اعقاب طرح نواب البرلمان الأوروبي مبادرة تهدف إلى إنشاء هيكلية دفاعية جديدة للاتحاد الأوروبي، يوم 11 اوغست 2017 بعد غموض مستقبل علاقاته العسكرية مع كل من واشنطن ولندن.
ترامب لم يتردد من اعلان انتقاداته الى دول الناتو ويتهمها بعدم الإيفاء بنسبة الإنفاق على مجال الدفاع. وهذا ربما كان وراء تصاعد مخاوف الحلفاء الأوروبيين إزاء مدى التزام أميركا بمعاهدة الحلف للدفاع المشترك. ويؤكد الاتحاد الأوروبي على أن دور( بيسكو Pesco) سيكون تكميليا للناتو، الذي يضم في عضويته 22 دولة من أعضاء الاتحاد الأوروبي. ويقول دبلوماسيون إن المشروع حصل على دفعة بعد انتخاب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المؤيد للمشروع الأوروبي وتحذيرات ترامب من أن الحلفاء الأوروبيين يتعين أن يدفعوا المزيد من أجل أمنهم.
كشفت المفوضية الأوروبية، يوم 7 يونيو 2017، عن خطة لتمويل الدفاع الأوروبي المشترك لمساعدة أوروبا على أن تصبح قوة عسكرية عالمية بإنشاء صندوق قيمته 5.5 مليار يورو. من المتوقع أن يتألف صندوق الاتحاد الأوروبي من جزأين؛ الأول سيساعد الدول الأعضاء على تمويل أبحاث الدفاع في مجالات تشمل الإلكترونيات والبرامج المشفرة والهندسة العلمية والطائرات من دون طيار.
واشتملت مسودة للخطة كشف عنها في نهاية 2016 على برنامج أبحاث، بميزانية سنوية تبلغ نحو 500 مليون يورو بعد عام 2020.أما الجزء الثاني من الصندوق، فإنه سيجمع المال للمعدات العسكرية الثقيلة، مثل الدبابات والمروحيات والطائرات من دون طيار. وستصل ميزانية هذا الجزء إلى خمسة مليارات يورو سنوياً عند تشغيله بشكل تام. وقالت المفوضية إن الدول الأعضاء تهدر ما بين 25 إلى 100 مليار يورو (28 إلى 112 مليار دولار) عندما تفعل ذلك بشكل مستقل.
الخطوات العملية التي تعتمدها الدول الاعضاء :
ـ تجريب نظام لرصد أوجه نقاط الضعف في القوات المسلحة لدول الاتحاد الأوروبي بالتنسيق مع حلف شمال الأطلسي الذي تقوده الولايات المتحدة.
ـ اعتماد مقر قيادة عملاني لوحدات قتالية للاتحاد الأوروبي أو منصة لوجيستية للعمليات. لكن وفي مرحلة أولى، يمكن أن يتخذ ذلك خصوصا شكل مشروعات، بالنسبة للبعض، تشمل تطوير معدات (دبابات وطائرات من دون طيار وأقمار اصطناعية وطائرات للنقل العسكري)، أو حتى مستشفى ميدانيا أوروبيا.
ـ إنشاء هيكلية دفاعية جديدة للاتحاد الأوروبي.
ـ إنشاء دائرة عامة للشؤون الدفاعية لدى الاتحاد، لمراقبة المعايير في المجال العسكري.
اسباب اعلان اشعار»اتحاد دفاعي اوروبي»
ـ مطالبة الناتو بزيادة عديد الوحدات القائمة، التي تتألف في غالبيتها من الأمريكيين، وزيادة تمويلها.
ـ تأريخ تفكك يوغسلافيا في تسعينيات القرن الماضي، والذي يلقي بظلاله على استمرار بقاء الاتحاد الاوروبي.
ـ محاولة من القارة العجوز لبذل مابوسعها، لحماية اراضيها من تهديدات روسيا المحتملة عند الجبهة الشرقية.
ـ تصاعد وتيرة الازمات التي تعاني منها دول اوروبا، والتي تاخذ في الغالب الطابع الامني، وشعور اوروبا بانها مازالت تعاني من تهديدات استراتيجية، ابرزها التهديد الروسي المحتمل عند الجبهة الشرقية ، والازمة الاوكرانية بالتوازي مع احتمالات تخلي «الناتو» عن القيام بواجباته بحماية اوروبا او بعدم وجود رد سريع الى الناتو لحماية اوروبا من اي تهديد مرتقب. الاحصائيات الاخيرة كشفت بان 25 في المائة من أعضاء الناتو لا تمتلك قوات جوية، ولا يمتلك 30 في المائة قوات بحرية أو يمتلكون قوة بحرية أقل من 600 بحار، و50 في المائة يمتلكون جيشًا نشطًا قوامه أقل من 20000 جندي.
ـ تزايد مطالبة فرنسا خاصة وبعض الدول الاعضاء لدعم بعضها البعض خارج اراضيها، وهذا ماتمثل بطلب فرنسا على سبيل المثال لدعم قواتها في غرب افريقيا، وهذا يعني ان دولا مثل المانيا، سوف تحتاج الى مراجعة مهام قواتها المسلحة، وربما مراجعة نصوص الدستور من جديد لكي تتماشى مع مطالب الدفاع الاوروبي. تأتي هذه المساعي ربما محاولة من دول الاتحاد الاوروبي ازاء القضايا الداخلية التي تهدد اوروبا من الداخل، ابرزها قضية «اقليم كاتلونيا الاسباني» وظهور مطالب اخرى الى بعض الاقاليم داخل اوروبا للانفصال. اما التهديدات الخارجية، فمازالت تتمثل في قضية عودة المقاتلين الاجانب، والجماعات المتطرفة وتداخلها مع قضية اللاجئين والهجرة غير الشرعية.
اوروبا مازالت تتجه نحو الدولة القومية، وهناك الكثير من الانتقادات حول ذلك، ابرزها من قبل منظمة «هيومن رايتس» بتراجعها عن مباديء الديمقراطية والحرية الشخصية، ذلك من خلال عدم وجود موازنة مابين قوانين واجراءات اتخذتها تتعلق بحفظ الامن القومي ومابين احترام خصوصية المواطن الاوروبي.
خطوة اعلان اشعار اتحاد دفاعي اوروبي، ربما لايتماشى مع قدرات اوروبا وواقعها على الارض، والذي دائما يوصف بالاتحاد الهش، يبقى هو اشعار اكثر حتى من مشروع، ريما لايقوى على الاستمرار وسط تهديدات تفكك هذا الاتحاد. وسيبقى الجدل الدائر داخل الاتحاد الاوروبي قائما حول الدفاع والامن بسبب ترابط الأمن الأوروبي بامن منطقة الشرق الاوسط والامن الدولي. الاعلان ممكن اعتبار ترجمة إستراتيجية ل»خط الدفاع الأول» الى دول الاتحاد الاوروبي.
* باحث في قضايا الإرهاب والإستخبارات