رياض الغريب
في اللحظة التي أغمضت انانا عين الباب المطل على المعبد القديم
اشتعلت الحرائق في قلبها هي الوحيدة التي انسلت من تلك العين لترى ما حدث من دون جدوى صفقت بيدها وتنفست رائحة قريبة لأجساد تحترق
من دون جدوى تلك النوافذ التي فتحت للالهة المنشغلين بترتيب الاسماء والمعاني واستقبال الاضاحي.
من دون جدوى قالت انانا لاخندوانا دعينا نكتب القصائد التي تمجد بابل وهؤلاء العشاق للعقائد والفقر الذي سور الجدران واعتلاها كعشب لاتقترب منه سوى الحرائق.
خلعت ثوبها وتمشت في حديقة المعبد كانت الالهة تتلصص على عجلة مسرعة تقترب من السور اشارت بثوبها لبياض اللحظة وراء الابواب نساء يلطمن على صدورهن وايقاع متسارع لقلوب تجوب شارع المعبد بينما الريح تنسل خلسة من تحت ضلوع تتكسر بصمت.
تلوذ الاشجار بعصافير مهاجرة ونوح حمام بلا اجنحة يحط على ابواب المعبد ويشير لحبة حنطة نبتت زهرة في وسط النواح قالت سيولد لنا من هذا الحريق طفل ندعوه الخلاص من محنة الحرائق ساحمله بيدي واسير به في شوارع ارواحكم فلا تنتبهوا لضحكته وجمال اصابعه وهي تشير.
الولد الصغير
الذي قطعت يده في الانفجار
لم يفكر بيده
ولا بالجحيم الذي يحدث
فكر بابريق الشاي
الذي ظل معلقا بيده المقطوعة
وتذكر
انه لم يبع منه
قدحا واحدا
حتى لحظة الحريق
لم تكتب وصيتها وتعلقها على ابواب المدينة مزقت الالواح بصوتها وهي تصيح عليه ان اقترب من صدري لارضعك الامان لم يلتفت لها وظل يركض في طرقات بابل يبحث عن يده التي حملتها سيارة اسعاف مسرعة واختفت.
الاثر الوحيد لها وهي تشرق كل صباح في وجه انثى تتمايل من وهج طفولتها الكامنة تحت ظلال بوحها بالسر لحبيب ينظم الحياة قرب بوابة عشتار يبشر بحرائق قادمة دون ان يحترس الالهة من هدم الجدار وانهيار الصور القديمة لاحزان كلكامش وهو ينظر للجدار ويقول يكفيني هذا.
زور خطوته وراح يقترب من النار رأى الاجساد تلتف ببعضها وهي وحيدة بين السماء والارض وحيدة بلا مودعين او اقدام تركض في ربيع ايامها الذي لم تصل اليه بعد اوشك ان يبكي لكنه تذكر الافعى ومضى يعاشر الوهم وينظر لاستراحة المعبد الفارغة الا من ظله وهو منكسر.
صباحا وقفت الشجرة على مفترق تنظر قوافل الراحلين صوب مقبرة قديمة يحبها السيارة والنائمون الحالمون بصبية تلعب قرب جدار المعبد وتخط على طينه القديم احلامهم فيما بعد قالوا انها تعنينا تلك التي عبثت برؤوسنا وسكرنا بخمرة قصائدها لكننا ميتون وتلك امانينا فوق شراشف الشوارع المعبدة بدمنا الاسود
من شدة الحريق ترسم وجهها شجرة تراقب نبضنا.
لنزيل طعم الحريق من افواهنا اكتشفنا عشبة نمضغها ونمضي لمحنتنا مبتسمين دون ادنى ريبة بما سيأتي تحدثنا كثيرا للاثر الذي يتبعنا مثل ظل يلتصق في المرايا قالت انا قرب الجدار انظر لكم وانتم تبتسمون لمنتصف اللحظة لسيارة الاسعاف وهي تحملكم مجانا من الطريق.
ايها الاله لماذا تركتنا وحدنا في الحريق
كنا نمنحك الوقت ونضحك حين تغفل لحظة عنا ونقول انه طيب وسيمنحنا براءة مما نحن فيه .
هؤلاء السفلة كل مالدينا
هؤلاء هم من اقتربت منهم ايها الرب الذي جعلناك عادلا ومقسما للموت بيننا بالتساوي حين وضعتنا في قفص وقلت سيروا انها امامكم تلك ارضي وهذا انا اراقبكم من بعيد.
هل حان الوقت لنراقب الحريق وتلك التي نحلم بها على اسوار بابل تنتظرنا وتكتب القصائد من اجلنا تقول مالكم تنتظرون استخدموا قصائدكم لاخماد الحريق.
(أذا رأيتم الرايات السود فالزموا الأرض ولا تحركوا أيديكم ولا أرجلكم) هكذا نحن وقفنا تحت كومة الحريق لم نركب زورقا لينجينا اقدامنا تسمرت قرب جدران المعبد تمر الرايات في المدن المجاورة حتى بيوتنا التي تفخخت به وانتفخت رئة التاريخ وانت تمسكين النواميس لتشيري لنا انخدوانا اقتربي من لوعة هذا الطريق.
هل تمتعت بوجوهنا وهي تلوذ بحائط المعبد تتلمس المتعة وهي تتسرب من جسد انخدوانا لتلقي بها خارج معبد البوح الذي اقترب من ظلي وانا أقود أصابعي لقطيع فرح غائب في طرقات بابل ,, أقفلنا باب ليلنا ونظرنا للشجر الذي تكلم مع ظل الحارس الوحيد الذي أبقته الحكمة لنا ,, الحكمة التي جمعتنا ذات يوم وأكلت أعمارنا .. تضحك منا وعلينا حين ننبه من نام وحيدا يفترش أحلامه وما تبقى من أسوار المعبد .. طين وماء وحنين قديم يعلما كيف نمر بأصابعنا خلسة فوق ضلع الجسر الوحيد.
الم نترك لك الباحة الخلفية لتكفر بنا وتلقي بأجسادنا في فوضاك أيها الحكيم الذي تبعناه مثل قطيع لنعبر صوب ضفة الحريق.. صوتك نسمعه على الجدار معلق كصورة لنا ونحن نرقص من وجع الرحيل
شعرنا بالبرد
شعرنا بوخز الندى نحن
شعرنا بك وانت تلقي لسمك المتعة المفترضة.. فوق أوراقك ترسم لنا طريق الذهاب ونحن نفكر بالرجوع لدفء قديم قرب جسدها
أنت تفكر بالذهاب
ونحن نفكر بالرجوع
ذهبت أنت
وعدنا نتلفت
خشية أن تجمعنا البلاد التي تتنفس رائحة انخدوانا وهي ترش عطر معبدها فوق جسد الحديقة
ظل
يفكر
كثيرا بالكرة
وهي تذهب وحيدة الى منزله
ظل يفكر باللعبة
والهدف الاخير
هو يلهث وحيدا في الساحة
يركض يلم بقاياه
وماتناثر من احلامه
حلم هناك
واغنية تتحدث عن الفوز
تعثرت خطواته بصورة سلفي
هي صورتهم الاخيرة
قبل الكأس
وصفارة الحكم العجول
لماذا انهيت لعبتنا
لماذا لم تمنحنا وقتا مضافا
شوطين اخرين
لماذا
تركتنا
في الساحة
نلم بقايانا
لماذا توقفت في بداية اللحظة
واشرت لنا
ان نتجمع قرب موتنا بانتظام
هدايانا بسيطة جدا
كأس صغير
وكرة ملونة بدمنا
كل ماكنا نركض وراءه
وقت المباراة
هكذا
انت اوقفت اللعبة
بفوز الجميع
انتشرت على طرقات المعبد صورنا ونحن نلهث خلف عربة تقودنا اليه ذلك الذي نجهله لكننا كنا نخافه حين نقترب من اسواره كم كنا اطفالا في الاسئلة.
المتفرجون يصفقون لنا بينما هو ينظر من شرفته التي زينتها ادعية الامهات بعودتنا مبكرا لكننا فضلنا ان نسمع موسيقى الحريق وهي تلوكنا الواحد تلو الاخر حتى اقتربنا منه وهو يدمدم وحيدا لااحد يراه ولايقترب من وحدته سوانا نحن ابناء الحرائق المتتالية في الملاعب والطرقات الواسعة والمفتوحة للمتربص باحلامنا.
تعطلت ساعاتنا ونحن ننظر الى الوقت بعين مثقوبة ورأس يدور في ساحة فارغة الا من الحريق يركض خلف امنية وحيدة ظلت مختبئة تحت قميص ملون لاحدنا قبل ان نبدأ تركها لعله حين يعود يعثر على وردة هكذا قلنا لبواب فتح لنا باب العالم السفلي لترانا انانا نحمل كرة ملونة واحلام صبية اخطأ الوقت بهم.
(انانا) تلطم على وجهها وتصيح …ابتسمنا لها وقلنا كنا نمرن انفسنا على الموت امام بوابة عشتار لم نكن ندرك انه كان معنا وحين التفتنا لنركض وجدنا انفسنا نبحث عن امنية خبأها احدنا.
من يعيد لنا ركضنا في حقول فرحنا.. السهر ونحن نطارد الحبيبات المفترضات في رؤوسنا هو الان هناك يتفرج علينا ونحن نلح بالسؤال ونلج حقولا جديدة من الاسئلة تقول انخدوانا تعالوا نتعلم من جديد كيف نخط السهر على جدران المعبد ونحن نصيح لامعابد هنا هو الذي يمنحنا انفاسنا ويكتب القصائد على وجوهنا المفزوعة والهاربة من مرايا ماحدث.
بلا امل عيوننا تغزل للامهات صورا جديدة تعلق على جدران صبرهن.