مكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال

كايلاش ساتيارثي
الحائز على جائزة نوبل للسلام، والرئيس الفخري للمسابقة العالمية ضد عمل الأطفال ومؤسس باشبان باتشاو أندولان
مع كل أزمة جديدة يواجهها العالم، تبدو الاختلافات الإنسانية مستعصية للغاية. فقد أصبح الدين والعرق والتاريخ والسياسة والاقتصاد عبارة عن أدوات للتشويه والإهانة. يبدو أن الناس يبتعدون عن بعضهم البعض، ولا يوجد بلد مُحصن من الخطاب المسبب للشقاق.
ولكن هناك قضية أساسية واحدة لا تشوبها تناقضات وعليها إجماع: الرغبة في الحفاظ على سلامة الأطفال. إن حماية الصحة الجسدية والعاطفية والنفسية للأطفال هي غريزة عالمية لا يمكن لأي عقيدة أو مبدأ أو نظرية قهرها. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الغريزة المشتركة، ما يزال الأطفال في كل مكان يتعرضون للتهديد. وكثيرا ما تتجاهل المجتمعات الاعتداء الجنسي على الأطفال بسبب الشرف الأسري أو الخوف من العار. لا يمكن للعالم أن يبقى صامتا بعد اليوم.
والأرقام مثيرة للقلق بالفعل. وفقا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2016، تعرض واحد من كل أربعة بالغين للإيذاء الجنسي لما كان طفلا. وكشفت دراسة أجرتها الحكومة الهندية في عام 2007 أن 53٪ من الأطفال في الهند يواجهون نوعا من أشكال الاعتداء الجنسي. ويعد الاتجار بالبشر، وخاصة الاتجار بالأطفال، عملا مزدهرا، بأرباح سنوية تبلغ 150 بليون دولار. وبعبارة أخرى، فإن الاعتداء الجنسي على الأطفال هو وباء أخلاقي يصيب العالم بأسره – وهو ما لا يمكننا هزيمته إلا عندما نتخذ إجراءات حاسمة ضده.
ولا ينبغي أن يجبر الضحايا الصغار وأسرهم على العيش في صمت بينما تتجول الحيوانات المفترسة حرة طليقة بلا خوف. ولهذا انضممتُ إلى مجموعة متنوعة من الحائزين على جائزة نوبل والقادة العالميين لإطلاق حملة «100 مليون من أجل 100 مليون» في ديسمبر/كانون الأول 2016. وتتمثل إحدى أهداف الحملة في إقناع 100 مليون شاب في جميع أنحاء العالم بمحاربة العنف الذي يلحق بالأطفال. وكانت الاستجابة كبيرة حتى الآن؛ وقد تعهد عشرات الآلاف بالدفاع عن الأطفال العزل.
لكنني أعتقد أنه علينا بذل جهد أكبر من ذلك لإيقاظ وعي العالم حول خطورة هذا الشر. وفي يوم 11 سبتمبر/ أيلول، سوف أذهب في رحلة «بهارات ياترا» (الحج السياسي)، عبر الهند لإعلان الحرب على الاعتداء الجنسي واستغلال الأطفال في كل مكان. وسأنتقل مع المحامين المتفانين والمدافعين عن حقوق الطفل من كانياكوماري، على الطرف الجنوبي للهند، إلى عاصمة الهند دلهي. ومن المتوقع أن ينضم لي أكثر من عشرة ملايين شخص ماديا وافتراضيا فى مسيرة ستتجاوز 11 ألف كيلومتر / 6353 ميلا / وتصل إلى جميع أنحاء الهند في محاولة لرفع درجة الوعي العالمي.
قد يقول الساخرون إن المسيرات لا يمكن أن تغير المحظورات الاجتماعية الراسخة. أنا أعترض. لقد رأيت مباشرة أن التغيير ممكن عندما يتحدث الناس عن حقوقهم.
وفي عام 1998، رافقت مجموعة من الشباب من جميع أنحاء العالم إلى مقر منظمة العمل الدولية في جنيف. تحدث هؤلاء الأطفال الشجعان مع القادة الحاضرين في الاجتماع عن حياتهم المقيدة بالسلاسل كعمال قسريين. وقد طالبوا بحريتهم للسعي وراء أحلامهم. ودعوا إلى وضع قانون دولي ضد تشغيل الأطفال. وكان ذلك تتويجا للمسيرة العالمية ضد عمل الأطفال، وانضم إلينا أكثر من 15 مليون شخص من خلال مسيرة نحو 80.000كيلومتر عبر 103 بلدا.
وكانت نتيجة هذه الجهود المشتركة مثيرة وجذرية. وفي غضون عام، أقرت منظمة العمل الدولية الاتفاقية 182، والتي حظرت أسوأ أشكال عمل الأطفال. واليوم صادق 181 بلد على الاتفاقية وأصدر قوانين محلية تحظر هذه الممارسة. وفي عام 1998، عندما أطلقنا المسيرة العالمية – وسط سخرية مماثلة وبلا مبالاة – أجبر ما يقرب من 250 مليون طفل على العمل في ظروف مروعة. وعلى الرغم من أنه لا يزال هناك الكثير مما ينبغي عمله، فقد انخفض هذا العدد منذ ذلك الحين بنحو الثلث، وأنا واثق من أننا سنصل إلى الصفر في غضون جيل واحد.
لقد حققنا أيضا نجاحا في مسيرات للحريات المدنية في الهند. وفي عام 2001، دعت «شيكشا ياترا» (مسيرة التعليم) المسؤولين الحكوميين إلى جعل حق الوصول إلى المدرسة حقا أساسيا لجميع الأطفال. واليوم، أضحى هذا الحق مكرسا في الدستور الهندي، كما أن الالتحاق بالمدارس الابتدائية يكاد يكون عالميا.
ويحتاج العالم إلى جهد مماثل لمكافحة الاعتداء الجنسي على الأطفال والاتجار بهم. وهناك ما يقرب من مليوني طفل ضحايا الاتجار كل عام، مع بيع الكثيرين في تجارة الجنس. ويتعرض اللاجئون الصغار للخطر بنحو خاص. وفي عام 2016، أجبر عدد من الناس -أكثر من 65 مليون شخص -على ترك منازلهم بسبب الحروب الأهلية والاضطرابات الأخرى. وعندما يكون الأطفال مشردين، يصبحون عرضة للاتجار والاعتداء الجنسي بشدة، مما يؤكد ضرورة التصدي لهذه الآفة بصرامة.
وعندما نبدأ مسيرة هذا الشهر، سنفعل ذلك كجنود سِلميين في حرب كونية. هدفنا هو إعطاء صوت للضحايا العاديين الذين تم إسكاتهم بواسطة الخوف والضغط الاجتماعي. نحن نهدف إلى إيقاظ ضمائر الناس في كل مكان، لحث الآخرين على بذل الجهود.
حفز المهاتما غاندي الملايين من الناس المضطهدين من خلال مسيراته. وكذلك مارتن لوثر كينغ. فلنحذو حذوهم ولنشن حربا إنسانية ضد الاعتداء الجنسي على الأطفال. إن الهند على استعداد للقيام بمسيرة مرة أخرى في رحلة أمل وجرأة. ونحن ندعو العالم للانضمام إلينا.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة