كيف تحولت «السخرية» إلى قوة ناعمة ضد الإرهاب؟

مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة

صاحب انتشار التنظيمات الإرهابية، وتزايد وتيرة العمليات الإرهابية في المنطقة، والحملات التي تحاول من خلالها هذه التنظيمات الترويج لعملياتها لكسب التمويل وضم المقاتلين الجدد، وتحقيق مكاسب سياسية تساعدها في مد نفوذها وترسيخ أفكارها؛ حملة أو حملات مقابلة ساخرة تعمل على إبطال ما تحاول التنظيمات الإرهابية تحقيقه. وقد استندت هذه الجهود إلى الصور والفيديوهات والأفلام والنكات والبرامج والمسلسلات، وغيرها من وسائل السخرية، بهدف المواجهة الناعمة للإرهاب.
وحققت هذه الجهود العديد من النتائج الإيجابية في هذا الصدد، وأهمها التأثير السلبي على الصورة الذهنية التي تحاول التنظيمات الإرهابية ترويجها، إضافة إلى تحطيم الروح المعنوية لهذه التنظيمات بالصورة التي تحول دون تحقيق أهدافها السابقة. غير أن هذه المواجهة الناعمة لا يمكن أن تنفي التأثير الحاسم للمواجهة الصلبة التي تمثلها الجيوش النظامية والأجهزة الأمنية في مواجهة عدو غير تقليدي عابر للحدود، فضلًا عن أدوات المقاومة الناعمة الأخرى المرتبطة بمؤسسات التعليم وهيئات الثقافة وأجهزة الإعلام.
وفي ظل لجوء التنظيمات الإرهابية إلى وسائل التواصل الاجتماعي، والاعتماد على وسائل الإعلام كأداة للترويج للصورة الذهنية التي تود ترسيخها في أذهان العامة، والتي تساعدها في تحقيق أهدافها ومد نفوذها؛ فقد قابلتها حرب نفسية مضادة تقوم أيضًا على المواجهة الإعلامية من خلال السخرية التي غالبًا ما تكون أداة فاعلة في النقد السياسي والحروب النفسية.
وقد شهدت التنظيمات الإرهابية حملة من السخرية التي شكلت «مواجهة ناعمة» لما ترتكبه من فظائع تسعى إلى توثيقها ونشرها للعلن بتوثيق ساخر موازٍ عمل على التخفيف من الأثر النفسي للعمليات الإرهابية، ومحاولة الحد مما تحاول التنظيمات الإرهابية ترويجه من مخاوف وفظائع.

أشكال السخرية:
إضافة إلى السخرية المنتظمة والمتكررة، يتم من حين لآخر إطلاق حملات منظمة للسخرية من التنظيمات الإرهابية، مثل تلك الحملة التي أطلقتها مجموعة من القراصنة الذين يطلقون على أنفسهم اسم «أنونيموس» والذين عملوا على حشد أنصارهم للمشاركة في حملة سخرية جماعية تحمل اسم «عملية داعش» على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد شهدت استجابة واسعة النطاق، ويمكن إجمال أشكال السخرية من الإرهاب التي انتشرت في الآونة الأخيرة فيما يلي:
1- الصور والفيديوهات: في ضوء اتجاه التنظيمات الإرهابية -وعلى رأسها تنظيم داعش- إلى تصوير ما تقوم بتنفيذه من عمليات إرهابية، وبثها في فيديوهات مسجلة؛ يلجأ الساخرون من هذه التسجيلات والصور إلى عدة سبل لإبطال مفعولها، وتشمل إخراج صور وفيديوهات أخرى تسخر من التنظيم، وتحاول التقليل من وطأة ما يقوم بنشره من مواد مصورة. وكذلك استخدام الفيديوهات والصور التي يقوم التنظيم ببثها وتحريفها بصورة ساخرة.
هذا إضافة إلى رسوم الكاريكاتير الساخرة التي تنتشر على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وعلى المواقع الإخبارية، وكانت الصورة الأكثر تداولًا للسخرية هي صورة المتهم في العملية الإرهابية الأخيرة في فنلندا (المغربي الجنسية) وهو يحاول قتل حبيبته ولكن يخطئ في معرفة شكلها لأنها فنلندية، والنساء الأوروبيات يُشبهن بعضهن، وذلك نتيجة استهداف الإرهاب للنساء في عملية الطعن.
2- النكات: يتم إطلاق العديد من النكات التي تدور حول التنظيمات الإرهابية، والتي غالبًا ما يحاول مطلقوها السخرية من القدرات الذهنية لأعضاء التنظيم، والتصوير الفكاهي لتناقضاتهم وأفكارهم المغلوطة.
3- صفحات موازية في مواقع التواصل الاجتماعي: حيث تتبّع العديد من الناشطين صفحات التنظيم، وأطلقوا صفحات بأسماء مشابهة ساخرة، تتضمن منشورات موازية لتلك التي يطلقها التنظيم تحوي سخرية من محتوى هذه الصفحات، وقد حازت العديد من هذه الصفحات مشاركات تفوق مشاركات الصفحات الأصلية، على سبيل المثال: صفحة «فتاوى داعش-الصفحة الرسمية».
4- الأغاني: فقد لجأ ناشطون مصريون إلى استبدال كلمات العديد من الأغاني الشهيرة بكلمات ساخرة من تنظيم داعش، انتشرت وتم تداولها على نطاق واسع، وتضمنت سخرية من قادة التنظيم وعملياته. وتُعتبر الأغنية الشعبية التي تم تركيب كلماتها على لحن أغنية «داعش» بعنوان «إبليس جانا وحضر» مثالًا معبرًا على ذلك.
5- الأفلام: وهي صورة أكثر تنظيمًا، تتضمن سخرية ممنهجة من التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها تنظيم داعش، حيث قامت شركات الإنتاج السينمائي في مصر بإنتاج أكثر من فيلم كوميدي يتضمن العديد من مشاهير الكوميديا الذين يحاولون تصوير البيئة الداخلية للتنظيم وتناقضاتها بصورة ساخرة.
6- المسلسلات والبرامج: انتشرت العديد من المسلسلات الكوميدية والبرامج الساخرة التي هدفت إلى محاربة التنظيمات الإرهابية من خلال تصوير مشاهد تتضمن تقليلًا من قدرات التنظيمات الإرهابية، والسخرية من عملياتها وقادتها، ويُعد المسلسل السعودي الكوميدي (سيلفي) هو الأشهر في السخرية من داعش.

أهداف مترابطة:
تستهدف حملات السخرية التي يتم إطلاقها في مواجهة التنظيمات الإرهابية العديد من الأهداف المباشرة والأهداف غير المباشرة، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- التخفيف من الأثر النفسي للعمليات الإرهابية: غالبًا ما تُستخدم الفكاهة والسخرية كآلية دفاعية للتخفيف من وطأة الأحداث الصادمة، والحد من المخاوف الناتجة عنها، وهو هدف العديد من أدوات السخرية السياسية التي تم الاستعانة بها على مر التاريخ في أوقات الحروب والصدامات وغيرها، وفي حال التنظيمات الإرهابية نجد أنه في أعقاب الحوادث الإرهابية يتكرر اللجوء إلى السخرية للتخفيف من وطأة العمليات الإرهابية. فعلى سبيل المثال عقب «انفجار الرويس» في لبنان وما ولده التفجير من مناخ خوف، أطلق العديد من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي حملة من الصور واللافتات التي تتخذ من السيارات المفخخة مادة فكاهية لها.
2- الحد من الخوف: تبني التنظيمات الإرهابية قوتها على ما تبثه من خوف يعزز عدم الثقة، وإضعاف قدرة الأنظمة السياسية والحكومات أمام قطاعات واسعة من الرأي العام، وهو ما يقابله تضخيم لقدرات هذه التنظيمات، وخلق دائرة قد تكون غير واقعية لإمكاناتها، إلا أن ما يعقب العمليات الإرهابية من حملات سخرية تحول دون تحقيق الخوف، استنادًا إلى أن السخرية تعمل بصورة مباشرة على تحجيم الخوف، وهو ما تنتجه السخرية، ويؤتي ثماره في معظم الأحوال.
3- الدعاية السلبية: وتعني القيام بالاستعانة بما تطلقه التنظيمات الإرهابية من أدوات دعائية بصورة ساخرة تؤتي عكس ما هو مستهدف منها، والأمثلة في هذا الصدد كثيرة، وأبرزها -على سبيل المثال- ما حدث في مصر عقب إطلاق تنظيم داعش أغنية «صليل الصوارم» التي تهدف للترويج له وتحريض أعضاء التنظيم ومريديه، فقد قام ناشطون باستغلال الأغنية وإرفاقها بتسجيلات مصورة ساخرة مأخوذة من أفلام أو مشاهد مضحكة، والتي تكررت ليفوق حجم مشاهدتها حجم مشاهدة الفيديو الأصلي للأغنية، وانعكس تأثير الكلمات لتثير السخرية والضحك بدلًا من إثارة المشاعر والحض على العنف.

أداة مقاومة:
غالبًا ما تُستخدم الفكاهة في السياق السياسي كأداة للمقاومة الناعمة. وعلى صعيد ما يطلق من حملات سخرية وفكاهة تجاه التنظيمات الإرهابية، وما تنفذه من عمليات، فلا شك في أنها تمارس العديد من التأثيرات التي تصب بصورة مباشرة في صالح «الحرب على الإرهاب»، والتي يمكن إجمالها فيما يلي:
1- الحد من قدرة التنظيمات الإرهابية على تجنيد مقاتلين جدد: إن السخرية التي تطلق على التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم داعش، وما يطلقه من حملات دعائية؛ تؤدي إلى التقليل من وطأة وتأثير هذه الدعاية، وهو ما يحجم قدرتها على ضم مقاتلين جدد لصفوفها، لا سيما في ظل التراجع لدى التنظيمات الإرهابية في بقع جغرافية مختلفة في دول الإقليم.
2- تحطيم الهيبة (الحط من شأن التنظيمات وقادتها): غالبًا ما تحيط التنظيمات الإرهابية قادتها ومقاتليها بإطار من الهيبة التي تخلق للتنظيمات الإرهابية نوعًا من الجاذبية التي تعتمد عليها بصورة رئيسية في تجنيد مقاتلين جدد، إلا أن السخرية من قادة التنظيم تؤثر بصورة إيجابية في التحجيم من آثار هذه المحاولات من خلال تحطيم ما يتم صنعه من هيبة تعمل بدورها على تصوير الإرهابيين ووضعهم في إطار مختلف عما يحاولون الترويج له.
3- التأثير على الروح المعنوية لأعضاء التنظيمات الإرهابية: حيث يلجأ تنظيم داعش -على سبيل المثال- إلى المواد المصورة والتقارير الإعلامية التي يتم بثها عن التنظيم لرفع الروح المعنوية لأعضاء التنظيم، وبما يتم إطلاقه من مواد سخرية على التنظيم تساهم في التأثير على الروح المعنوية لأعضائه، خاصة في ظل اهتمام أعضاء التنظيم بردود الفعل والصورة الذهنية للتنظيم وما يقوم به من عمليات إرهابية.

تخفيف الأثر:
خلاصة القول، انتشرت خلال الفترة الأخيرة حالة من السخرية تجاه مجمل العمليات الإرهابية التي تتعرض لها دول المنطقة من قبل تنظيم داعش بنحو خاص، وشملت السخرية من أدوات التنظيم الإرهابي والعناصر الملتحقة به، ومن ثم تُعتبر حالة انتشار السخرية من العمليات الإرهابية نوعًا من «المواجهة الناعمة» لتخفيف الأثر النفسي للعمليات الإرهابية من ناحية، والحد من حالة الذعر التي يسعى تنظيم داعش لترويجها وسط الرأي العام من ناحية أخرى.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة