كتاب “الصباح الجديد” عن تأريخ لم يطوَ(الدكتاتور فنانا) لرياض رمزي
الحلقة 4
هل يمكنك أن تقرأ طوال خمسين سنة، وتعبّ مئات الروايات والمخطوطات ودواوين الشعر وكتب علم الاجتماع والدراسات المستقبلية، وأن تصبر على إكمال قراءة مجلد موبي ديك العقد والمتشابك، وتفكك خطب صدام حسين ومؤلفات اسحاق دويتشر وبرزان التكريتي والمركيز دي ساد ونيتشة وأمهات كتب التراث، بثلاث لغات حية، العربية والإنكيزية والروسية ثم تؤلف كتابا واحدا لا تتجاوز صفحاته على المائة والأربعين صفحة عن شخصية صدام حسين هي خلاصة كل ما قرأتَ وتأملتَ، إذ يتدحرج الفنان الدكتاتور، أو الدكتاتور الذي تفنن في تدمير كل من ألقاه حظه العاثر في طريقه، وتجبر على الله ومخلوقاته، وانتهى مثل هذه الأيام، قبل أربعة عشر عاما، الى خارج المعادلة بعد أن تسببت حماقاته في كل ما حل بالعراق من كوارث.
يقول الكاتب رياض رمزي في مقدمة كتابه (الدكتاتور فنانا)
بالرغم من أن العراقيين، على عكس الشعوب الأخرى، لا يعدون ظاهرة العنف حالة طارئة في تأريخهم، فأنهم مع اطراد الكوارث المفجعة كثيراً ما يتساءلون : أي لعنة خيمت عليهم ؟ وأي جريمة اقترفوها كي تسير الحياة السياسية لديهم يدا بيد مع القتل؟ما هو سبب هذه التراجيديا التي بدأت تقود الى اعتقاد سطحي لدى البعض يتمثل في تسمية مبسطة يطلق عليها عادة “سوء الطالع ” هل هو التأريخ الطويل للقتل السياسي أم أرواح شريرة سكنت هذه الأرض؟
دكتاتور العراق.. كيف حدث هذا؟ يبتسم فتغرق البطانة بالضحك
راسبوتين وموسوليني وهتلر وأبو طبر مروا من هنا
2- تعاريف
البطل: قليل من المعرفة، كثير من العناد، وردود فعل من غير الممكن توقعها. ليس من النوع الذي يعطي أعداءه الفرصة لشد الحزام، لأنه قرر مسبقا الضرب تحته هو الاكبر دوما في الصفات. احد اعظم المرتجلين في التاريخ، يجعل من ارتجالاته حتميات تتطلب حلولا استثنائية تكرس عظمته السلطة لديه وسيلة لخلق عادات جديدة لرعيته. الحياة لديه حروب مفاجئة ونصب كمائن والسياسة علم لتنظيم اصول الكراهية ولخلق الفرد المستعد على الدوام للرضا بالأسوأ، والمفتقد ادنى طموح والمتألف مع حياة سائرة دوما نحو الانحدار لم يكن في الوقت الذي يذكر الملايين بقدر الأمة، ليأخذ الا مصيره في الحسبان وليس لديه حياة خاصة او تاريخ شخصي، جعلته انتصاراته السهلة على اعداء ومنافسين ضعفاء (خاصة نجاحه في معركة تأميم النفط وهي خطوة تضافرت عدة عوامل لإنجاحها) يؤمن ببطولته الفردية مع ايمان غير معلن بحسن الطبائع ادخل كل شيء في حيز مسؤولياته: شن الحروب على بلاد مجاور، محاولة تطليق زوجة مدير الامن العام من زوجها الثاني بعد اعدام الأول، القتل ومنح الاعطيات يتمان في طقوس السلطة، ثمة جهاز كامل لتحويل إيماءاته واشاراته ونظراته الى افعال من دون إتاحة أي حيز للاجتهاد، يدخل مريدون في عمق شخصيته لتقليدها بما انه يعشق القسوة يجب ان يكونوا هم قساة بما انه يحب الشاذ والغريب، يجب ان يدخلوا الشاذ والغريب في ادائهم وعندما يتفحص انجازاتهم بحدود مدى قربهم منه.
1) مبدع.
2) قاتل غير مبدع.
3) منفذ واجبات.
4) مكره.
5) متخاذل
6) جبان
لا يكتفي بالتحديد بل يشهد الشهود على كل حالة المبدع ، يستمتع بملذات السلطة معه القاتل يتلقى الشجاعة ومصير الجبان رصاصة يدفع ثمنها مقدما المتخاذل يظهر على شريط فيديو وهو يجرد من نعم السلطة اما الذين يجلسون بعيدا عنه فعليهم تحسس رؤوسهم قبل الذهاب الى النوم.
لم يكن عظيم المحتد، ولد في قرية العوجة التي يفصح اسمها عن كثير من الدلالات، ولم يحصل على المجد ، لانه انجز اعمالا عظيمة كان عليه ان يقاتل باسنانه من اجل طموحه الفردي وما ان بلغ اعلى مرتبه وامتلك اقوى سلطة حتى سقط ضحية لتملق (صنعته يداه القويتان) كان ضروريا لنشيد صرح عظمته لكنه ادى به الى الهلاك في احدى لحظات الغفلة نتيجة سماع اسمه طوال الوقت وهو مرض كثيرا ما يصاب به المستبدون الاقوياء عند انفصالهم من الواقع.
وعندما خسر معركته الاخيرة وفقد مصادره المادية الضرورية لإدارة شؤون عظمته وتذكير الاخرين به يوما اصبح مقيتا جدا وكي يعوض ذلك بات عليه ان يزعم بصفاقة انه ما زال على تلك الدرجة من الرفعة، ولأنه لا يبالي بحياة رعيته ويعرضها للأخطار يوما فقد ذاع صيته خارج بلاده لقدرته على تسليه عالم مهووس بالغرابة والشذوذ، اذ كلما ازداد تثاؤب الغرباء ضجرا تطلعوا اليه لحثته على الاسترسال في غوايته المفضلة لديهم.
دراسة السلطة : لا مجال للاحكام الأخلاقية عندما يتعلق الامر بدرس السلطة يجب تقييم السلطة على وفق مباشر مؤشر واحد: المتعة من خلال ممارسة السيطرة على رجل السلطة ان يكون مخترقا في متعته يحول مسيرتها الى نشاط ابداعي ظاهرة اسداء خدمة وجوهرة اشباع شهوة لا تنطفئ.
لابد من إعادة النظر في الموضوع، على غرار ما فعل الفنانون الانطباعيون الذين حوروا الرؤية البصرية السائدة في زمانهم مكتشفين جماليات جديدة من خلال تعبير زاوية النظر.
علينا اذن معرفة الطريقة التي تتجلى بها هذه اللذة على السطح من خلال كيفية طريقة جيدة لاكتشاف حقائق أساسية تختفي تحت السطح ثم تظهر على الواجهة ظهورا مختلفا.
أسلوب البحث: لا ينظر القائد موضوع درسنا هذا الى نفسه كممثل لإرادة قدسية او كخادم لسلطة اوصلته اليها مجموعة او طبقة ما…البطل هنا خلق مملكته بيديه وارادته متفردة ذات طابع بطولي، ما يبنيه لا يعمر طويلا لانه خلق لحاجته الشخصية تشبه شخصية بغموضها شخصيات هرمان ملفل وهي تتولى خلق شخصيات أخرى كشخصيات ديكنز تذوب تحترق ثم تختفي تاركة في الجو رائحة الاحتراق انه يسعى لتجربة تتيح له معرفة حدود إرادته الحرة والمعوقات التي قد تتعرض نموها.
ايلازمه هذا السلوك طوال الوقت؟ بلى على مدى السنين، ولأنه يحول اندفاعات مخيلته الى أدوار فعلية على الأرض ليس ممكنا الحكم عليه الا من خلال ما تتوصل اليه مخيلته، أي قدرته على خوض تجارب جديدة، نحن نحتاج الى درس الذين تتخذ تصرفاتهم مسلكا غير متوقع وكي لا يفقد معه المرء اتزانه الذهني ينبغي اعتماد أساليب أخرى لدرس سلوكه كالتي تستخدم في التمثيل والرواية والعمارة لكي نهتدي ليس الى معرفة ما فعله فحسب بل الى ماهو قادر على فعله ولكي نهتدي ليس الى الدور الذي جسده فحسب بل الى عدد الأقنعة التي باستطاعته ان يرتديها.
بطانة الحدث
يتم التمييز، لدى الحوادث التاريخية بين الحدث وبطانته .الاول هو الفعل والثاني هو النيات.
الأول: كيف وقع الحدث؟ الثاني: ماهي طبيعة العقل الذي انتج الحدث؟
لدرس بطانة الحدث، لابد من وجود حقائق الدرجة الثانية التي تفضح الميول المكونة لقاع ارادته والمتغلغلة في ثنايا أسلوب أدائه المقصود بذلك ايماءاته واشاراته وانجذاباته وردود افعاله تجاه الاخطار وموقفه من الاسرار باختصار :ما يستطيعه وما لا يستطيعه وبغية شرح سبب تبذير الطغاة للموارد والبشر تحتاج الى تفسير يوسع المعنى بإدخال النيات. ما ينبغي درسه ليس الحدث بل بطانته او قاعه وسع فرويد المعنى بإضافة الخفي وهو منطقة غير مكتشفة افلتت من رقابة العقل كما تفلت الجريمة من رقابة عيون الشرطة. ارغم فرويد الكثير من الظواهر (التي كنا نكتب عليها للحفظ او الإهمال).
العصاب، والرهاب،و الاحلام، فلتات اللسان، وتجليات السلوك العديدة الأخرى على تقديم المعنى، يشبه الامر الى حد بعيد طريقة التحليل البوليسية لفك رموز الجريمة عندما يتم معرفة القاتل من عقب سيكارة مهمل، من صنبور المياه غير المغلق باحكام في ليلة الجريمة ليست هناك ظروف بل ضجة يخلقها رجل.تتخذ الاحداث التاريخية مسارا اخر لو لم يفعل البطل ما فعل. ليس هنالك محددات على اعماله وان وجدت فعلى شدة الفعل فقط. هل البطل في أدائه؟ نعم ان أخطاءه وكوارثه تشير الى ذلك الشخص الاستثنائي يبحث عن حلول استثنائية والاحداث التراجيدية مرهونة بالنسيج الذي جبلت به شخصية الحدث الرئيسة لان عالما محفوفا بالأخطار شرط ضروري لبطولة البطل.
الارتقاء من البسيط إلى المعقد
تدرس الشخصيات التاريخية:
1) من خلال ما أمنت به من أفكار وبواسطة حكم بشري متعرف عليه.
2) من خلال ما اجترحته من احداث، يجبرنا هولها على درسها بذاتها لانها لم تأت نتيجة اقتناعات وأفكار ان تتغير طباعك وتبقى مبادئك على حالها تلك مسألة اما عندما تتغير مبادئك وتبقى طباعك على حالها فتلك هي المسألة.
لابد اذن لدرس أفعال السيد الرئيس من الرجوع الى الشكل الاولي للنيات بالطريقة نفسها التي دس بها ماركس المجتمع الرأسمالي، منهج الارتقاء من البسيط الى المعقد لم يدرس ماركس لمجتمع الرأسمالي ، كما درسه ادم سميث بدءا من المقولات الكلية السكان مثلا. بدأ ماركس دراسته من اصغر خلية من ذلك المجتمع: البضاعة، ثم ارتقى تدريجيا نحو سطح المجتمع او ظاهره. اكتشف ماركس في عملية الصعود نحو السطح المضمون الفعلي للكل من خلال الجزئي والبسيط فالأشكال الموجودة في القاع تظهر بصورة مغايرة على السطح. فالربح الموجود على السطح ليس الا شكلا محورا لفائض القيمة لموجودة في القاع، والسعر ليس الا شكلا محورا للقيمة..هكذا اذن رحلتنا(التي ستبدأ الان) من البسيط الى المعقد ليست الا محاولة لفصل الفنان عن رجل الدولة.
تضبيب مفاهيم الشر والخير: عندما تحدث الحرب ليس ثمة ما هو اكثر ضررا من انزال الفضيلة وجعلها ادنى مرتبة من الشر الذي يغدو مهارة يكافأ المرء عليه من طريق اثارة غرائزه العدوانية: الغنيمة يصبح سلب ممتلكات الاخرين ونهبها عملا مبررا وجزاء يحق التمتع به كيف؟ لا بد من مخرج جيد فنا يستخدم أساليب خالية في الحنكة ، تبدأ بجعل الجريمة وانتهاك حقوق المشاهد معتادة ، وسمة غالبة تجعل الفرد يعود الي بيته ومحمل بامثلة تتحول لديه الى رواية شفاهية يومية جرائم حافلة بمشاهد بصرية (جرائم ابي طبر) : انت لا تسمع بها بل تراها كيف اختار القاتل ضحاياه كيف قطع الرؤوس بطبر تلمع شفرته تحت اشعة الشمس والقمر ليلا جرائم تنفذ على السامع الرائي ان يختار تفاصيلها البصرية ويتم انتاج رواية ملأى بصور القاتل خارجا وضحاياه تتمد ارضا وملابسه مضرجة دما الفم الذي نقل هذه الروايات والعين التي شاهدتها لن يكونا كما كانا سابقا ليس ثمة تسمية أخرى للجدار الذي اهتزه لمرة واحدة غير الجدار المخلخل . انه لن يعود جدارا ابدا. بهذه الطريقة يفقد الفرد.
عذريته يصاب بالبلادة وضمور الوعي ويغدو كمحترب مهزوم لايبالي بالبحث عن التقوى والفضيلة والصفقات النظيفة، بل يروح ينظر الى اقتناعاته من خلال هزائمه ويتم الفصل بين الحصول على المنفعة الشخصية والضعف الأخلاقي، بتهيئة الظروف التي تجعل الشر اكثر عطاء من الخير، وماكان غير مستساغ اخلاقياً يصبح تصرفا مقبولا لايستحق الاستهجان، يتم في هذا الوقت افتتاح سوق الحرامية وسط العاصمة وهي تسمية صحيحة وموثوق بها لبضائع نهبت من بلد مجاور وتباع بأسعار رخيصة ،وبما ان الجوع كما يقول سرفانتس اهم قضية في العالم فسيمر بهذه السوق ويتاجر ببضائعها الألاف وستسيطر حالة من التواطؤ مع الشر لدى كل من باع واشترى عندما يرتكب الانسان معصيه لا تعود نفسه ملكاً له بل تتمركز حول الأثم ويتحول جهده الى مداراة الخطيئة بالنظر الى المحيطين به عندما يستعرض معارفه يجد ان لا احد يريد الخروج خاسراً لأنه مامن وضع لايستطيع الرجل ان يعتاده خصوصاً اذا رأى غيره يمارس الامر ذاته بحسب قول تولستوي .
لا يقتصر عمل قائد كهذا على العنف والوحشية فقط لبلوغ مراميه فالإرهاب الخلاق وهو أعلى شكل من أشكال النشاط بحاجة الى وسائل تحمل في داخلها براعة فنية ومهارة تقنية أشبه بورشة تحول نياته المبيتة في القاع الى انجازات على السطح على القائد وهو يدخل ملكوت حريته المطلقة ان يظل في حاله اثارة دائمة كي لا يلجأ الى حياه رتيبة خالية من ايه بهجة فالتكرار من شأنه القضاء على شكل متعته بسلطته التي لاتحدث تأثيرا فيه الا بمقدار مايحصل منها من ملذات انه ولع أشبه بمرض غير قابل للشفاء
ماهي هذه الوسائل ؟
1) الادوات التمثيلية
قدم هتلر أمثولة ما فتئ الدكتاتوريون كلهم يقتدون بها : النجم السينمائي الذي يصبح أمثولة يراقبها المشاهدون ويحذو الممثلون التابعون حذوها تتطوع طريقه تصرف.
الشخصية الرئيسة امام الممثلين الثانويين بالكشف عن خصال هذه الشخصية ذات الجاذبية المستحيلة وعلى النحو الذي ترغب هي فيه استجاب لمستلزمات نجوميتها ولدفع الممثلين الثانويين الى اللحاق بها ان اعتماره قبعة المظليين شماغاً ابيضا من دون نقوش، ويلفه العقال العربي مع عباءة موشاة بتطريز من الذهب حلة الصيد البافارية توشحه، فوق سترة الجلد بوشاح من الكشمير ومن دون علاقة ملحوظة مع مناسبة الظهور، انما كلها مفردات للغة مكشوفة تسعى الى اكمال صورته كنجم والحصول على حكم بانجازاته كرجل مرموق.
تشير لقاءاته التلفزيونية اليومية مع اعضاء قياداته الى عرض ذي بنية محكمة ومدروسة عن البطل وهو يؤدي دورا نجوميا في مادة سياسية، يبدأ المشهد بدخوله قاعة محجوبة بستائر كثيرا ما تتخذ لونا ادكن لمنع المشاهدة من التجول في الوان مشتتة للبصر، تعوقه عن النظر الى جمال المشهد الثقيل امام الستارة انه اشبه بمشهد يؤديه ممثل يرتدي لباسا اسود مزررا حتى العنق لردع المشاهدين عن التعلق بتفصيلات الثوب كي يركزوا على ادائه ويستمعوا استماعا جيدا الى ما يريد ابصاله، ما ان يدخل البطل دخول اصحاب المقامات الرفيعة حتى ينهض الجميع مؤدين التحية واضعين ايديهم على قلوبهم للدلالة عن حالتهم ،انها لقطة تتكرر يوميا في عموم البلاد حين ينشد اطفال المدارس تحية للغائب الذي ما ان يذكر اسمه حتى يهب الحضور وقوفا تتبع دخوله مجموعة ابتسامات يوزعها على حضور يرتدون زيا موحدا يختلف عن زيه المتميز وهندامه المعتنى به برغم قسوة الظروف كي لا يكون في مدى الرؤية احد غيره.
يحدث ذلك وسط موسيقى هادئة تعمل كوشي باهر يحيط بصورته التي يترسخ النظر بها صورة رجل غير عابئ بالاخطار مثقل بالافكار لكنه هادئ برغم كثرة التحديات انه سيد الموقف في الصورة التي يحتل فيها المركز الوسط في طاولة مستطيلة بجهد مريدون في مد اعناقهم بغية النظر اليه ولديهم انطباع يشي بانهم يريدون معرفة حالته المزاجية وهذا ما يضاعف الاحساس لدى المشاهد بوجود امور مبهمة تختفي وراء المشهد كله فينتهون الى نوع من الاستكانة الشبيهة بقنوط سكان محاصرين في بناية تستعر فيها النار.
يستمعون من بعيد لتمتمات غير مفهومة للاطفائيين المكلفين اخماد الحريق ، فيقررون تسليم مصيرهم اليهم. تظهر جميع الاجتماعات بطريقة الاخراج نفسها التي تتحول ، بمرور الوقت ونتيجة التكرار اليومي ، الى انموذج بدني يرسخ في اللاوعي. لا يجلس المريدون بجواره. فوجوده في قلب المستطيل يجعل المشهد ينطق بالحقيقة الاتية: اشخاص حالفهم الحظ بشرف الوجود مع بطل تتحول حواراته مع مريديه الى حفنة من اللفتات الكريمة. تؤخذ اللقطات عادة من نهاية الطاولة التي يتصدر هو وسطها البعيد ، بحيث ترى حركة وجهه كفعل اولي ، وردود فعل الوجوه الموجودة معه كردود افعال على فعله الاولي. مثل قطع الدومينو التي تتعامد عن قرب. ما ان تسجد القطعة الاولى حتى تتجه بقية القطع نحو وضعية الاستلقاء. ما ان ينخرط في الكلام حتى يهب الجميع الى الكتابة ، وما ان يضحك حتى تظهر ابتسامة متوترة على السارير. هذا هو قانون السينما الذي يتحول فيه الممثلون الثانويون الى خدم للشخصية الرئيسة.
ما هي الحصيلة النهائية من هذا الاداء التمثيلي؟ قوة الصورة على خلق مُشاهد نمطي اعتاد نوعا معينا من الاداء الذي ينتقل ، نتيجة التكرار الى لا وعيه ، حيث تبدأ ردود افعال الوجوه الموجودة معه كردود افعال على فعله الاولي. مثل قطع الدومينو التي تتعامد عن قرب. ما ان تسجد القطعة الاولى حتى تتجه بقية القطع نحو وضعية الاستلقاء. ما ان ينخرط في الكلام حتى يهب الجميع الى الكتابة ، وما ان يضحك حتى تظهر ابتسامة متوترة على الاسارير. هذا هو قانون السينما الذي يتحول فيه الممثلون الثانويون الى خدم للشخصية الرئيسة. ماهي الحصيلة النهائية من هذا الاداء التمثيلي؟ قوة الصورة على خلق مشاهد نمطي اعتاد نوعا معينا من الاداء الذي ينتقل نتيجة التكرار الى لا وعيه حيث تبدأ ردود افعاله على الكوارث والخروج عفويا من دون وعي. عندما تفهم جمهورك وردود افعاله العفوية سيكون بميسورك ليس تقسيم اداءك على نحو افضل بل التصرف بلا خشية من انحراف افعال الجمهور عن المتوقع. كلما كان هناك فعل عنيف ضخم المحكومون من دفاعاتهم تحسبا لمواجهة الاسوأ الذي سينشغل الجميع باستحضار شكله ولونه. وكما تستثير النسمات الذكريات ، تطلق افعال البطل سيلا من توقعات الاسوأ ، سرعان ما يتلبس المرء ، بعدها مناخ سوداوي تصاحبه نبرة رثائية للنفس باعثة على القبول بما يحدث وكأنه قدر. لا تحمل هذه الحالة اسما اكثر صفاء مما قاله الموروث الشعبي المتمثل بحكمة تؤكد ان من يتعرض للموت سوف يتقبل راضيا جعل جسده نهبا لكل اصناف الحمى.
روض الدكتاتوريون علم السياسة وجعلوه خاضعا لمتطلبات علم النجومية. يتحول طموح النجم السينمائي الى الشهرة افة عندما يحاول احتلال كل صالات العرض طوالايام السنة. عندما تبقى صالة عرض واحدة خارج نطاق مجاله يندفع برغبة جامحة الى تحقيق فيلم يدخل عنوة بوابة تلك الصالة. هذا هو المنطق الذي سيطيح بطل هذا الكتاب كما سنرى. بطل الشخصية ملمح اساسي لدى القادة الكاريزماتيين. كان نيرون بارعا في اداء دور الامبراطور ولويس الرابع عشر مخلصا لدوره الاستعراضي وستالين لدوره كحامي نقاء النظرية الثورية وهتلر امينا على سيادة العرق الجرماني حتى كازنوفا كان مخلصا لدوره كعاشق.
الدكتاتور فنّاناً
التعليقات مغلقة