سلام مكي
ما أن كشف النظام السياسي الجديد، عن ملامحه المغطاة بأسئلة التشدد والإسلام السياسي حتى تشكلت لدى المثقف العراقي صورة واضحة عن موقفه من الثقافة والمثقف الذي أصبح يشعر يوما بعد يوم بأنه تحول دون إرادته الى ند للسياسي. لأنه يعتقد بأنه يملك الأدوات التي تعري خطابه وتكشف زيفه أمام جمهوره. لذلك كان يجب على المثقف منذ البداية ان يبادر الى انتزاع حقوقه من السياسي من دون ان ينتظر أحدا. أولى الخطوات التي ينبغي ان تكون البداية هي القانون الذي شكل بموجبه الاتحاد. والذي يعود الى بدايات الثمانينيات حيث تشكيل الاتحاد. هذا القانون المرقم 70 لسنة1980 قد تضمن عددا من النصوص التي رسمت شكل الاتحاد وهويته ومركزه القانوني. وبما انه شرع في وقت كانت السلطة قد بدأت في إرساء قواعدها وتثبيت نفوذها بما يرسخ ثقافة القائد الأوحد والحزب الواحد واللون الواحد، فكان من الطبيعي ان يكون القانون مفصلا على النسق الذي يريده ذلك النظام او في الأقل لا يتعارض معه، ونتيجة لبقاء هذه النصوص على حالها، يمكن لأي كاتب يؤمن بالقومية او الدين ان يدعو الاتحاد الى تنبي هذه الأطروحات عن طريق الأمسيات او طباعة الكتب وترويجها داخل الاتحاد او فروعه وليس لأي عضو الاعتراض عليه لأنه لم يخرق قانون الاتحاد، وهذه الاشكالية، قد تبدو بسيطة قياسا الى الاشكاليات التي سنوردها تباعا:
1. المادة الأولى من القانون ثانيا، نصت على ان الاتحاد يملك الاستقلال المالي والإداري ويملك الشخصية المعنوية التي تمكنه من القيام بالتصرفات القانونية والمالية لوحده بعيدا عن أي جهة أخرى. لكن القانون قد ناقض نفسه ضمنا، حيث انه أشار الى تبعية الاتحاد الى وزارة الثقافة عندما أعطت ال مادة33 الصلاحية لوزير الثقافة بأن يصدر التعليمات المطلوبة لتسهيل تنفيذ القانون. فالأحرى ان رئيس الاتحاد هو الذي يصدر التعليمات لا غيره. حيث ان هذه المادة قد يستخدمها الوزير ذريعة للتدخل في شؤون الاتحاد. كذلك المادة 30 أولا والتي تنص: يشكل وزير الثقافة والإعلام، هيئة تأسيسية من الأدباء والكتاب في القطر يتراوح عددها من عشرة الى خمسة عشر عضواً، تمارس صلاحيات المكتب التنفيذي للاتحاد لمدة لا تزيد على ستة أشهر يجري خلالها انتخاب المجلس المركزي والمكتب التنفيذي، وتكون للوزير صلاحية المجلس المركزي، لأغراض تطبيق الفقرتين (و) و(ز) من البند (ثانياً) من المادة (14) من هذا القانون، وذلك الى حين انتخاب المجلس. هذه المادة تعطي الحق للوزير بالتدخل بشكل سافر في عمل الاتحاد وتمكنه من بسط نفوذه عليه، عندما مكنته من اختيار الأشخاص الذين ينفذون أهدافه لا أهداف الاتحاد من التحكم بالانتخابات والمجلس المركزي، خصوصا وان وزارة الثقافة ما زالت جزءا من المشروع الطائفي الذي يتبناه النظام السياسي. فمن الطبيعي ان يسند منصب الوزارة الى شخص بعيد عن الثقافة وقريب من الهيمنة والتسلط على أكبر قدر ممكن من السلطة والصلاحيات، التي تشبع له غريزته.
2. ان القانون لم يتضمن عقوبات للأعضاء المخالفين له، بل اكتفى بالنظام الداخلي في المادة 8 في باب انتفاء العضوية حيث جعلها العقوبة الوحيدة لأي فعل يرتكبه العضو بحق الاتحاد، فمن شهّر بسمعة الاتحاد وتعرض له بالقذف والإساءة، ومن سرق مادة إبداعية أو انتحلها بموجب تقرير اللجنة المشكلة لهذا الغرض يعاقب بتجميد عضويته فقط!! وهي عقوبات لا وجود لها في القانون الذي هو أسمى من النظام الداخلي، بمعنى ان من يعاقب بتجميد عضويته يحق له الاعتراض على القرار بدعوى إنها غير قانونية، لكن المشكلة التي ستواجهه: أين يعترض!! لا القانون ولا النظام الداخلي حدد الجهة التي يمكن للعضو فيها الاعتراض على قرار اللجان المشكلة من داخل الاتحاد. بينما نجد في قوانين مشابهة أخرى مثل قانون اتحاد الحقوقيين العراقيين انه قد وضع بابا خصصه للجان الانضباط في المواد16و17و18 حيث تنص المادة 16: تؤلف لجنة انضباط في كل من مقر الاتحاد وفروعه في المحفظات تتكون من رئيس وعضوين ويكون للجنة عضوان احتياط يختارهم جميعاً المكتب التنفيذي للنظر في القضايا المتعلقة بمخالفة أحكام هذا القانون وإتيان الأفعال التي لا تأتلف مع شرف الانتماء الى الاتحاد.
3. والمادة 17: تحال الشكاوى الانضباطية الى المكتب التنفيذي. ويقوم المكتب بنفسه او بواسطة لجنة يشكلها بإجراء التحقيق حيث يقرر أما إحالة الشكوى الى لجنة الانضباط او غلقها وذلك خلال مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً من تاريخ انتهاء التحقيق. والمادة 18: يطبق قانون انضباط موظفي الدولة رقم (69) لسنة 1936 او أي قانون آخر يحل محله عند نظر القضايا في لجان الانضباط. فهذا القانون لم يكتف بتجميد العضوية في حال تجاوزه وإنما وضع عقوبات أخرى هي ذات العقوبات الموجودة في قانون انضباط موظفي الدولة، والمشكلة أن القانون لم ينص على إعطاء صلاحيات للمكتب التنفيذي او المجلس المركزي للأمور التي لم يذكرها القانون. ورغم ذلك فان الاتحاد يتخذ كثيرا من القرارات دون سند قانوني.
4. القانون وضع له أهدافا عدة منها : العمل على جعل الكتابة مهنة الكاتب .وهذا ما لم يتحقق منذ تأسيس الاتحاد ولحد اليوم، ومن جعل الكتابة مهنته الوحيدة فلم يعش طويلا. كذلك تعديل النص الذي يحصر مفهوم الأدباء بأولئك الذين يمتهنون الثقافة لأن كل الأعضاء لا يمتهنون العمل الثقافي. وكذلك: توفير فرص الدراسة والتدريب لأعضائه داخل القطر وخارجه، وكذلك توفيرها داخل القطر للأدباء والكتاب في الوطن العربي والعالم بالتنسيق مع الدوائر والمؤسسات المعنية . فهذا الهدف لم يتحقق أيضا ، فلم نسمع ان مؤسسة كوزارة التعليم قد خصصت مقاعد للأدباء في جامعاتها تطبيقا لهذا النص القانوني. وكذلك : تسهيل تقديم النتاجات الفكرية والأدبية بالوسائل الإعلامية المختلفة ودعم المؤسسات ذات العلاقة بمدها بالمختصين والنتاجات الفكرية المختلفة .فالواقع يشير الى ان المثقف الذي يصدر له كتاب هو يتولى طباعته على نفقته الخاصة وهو يتولى توزيعه دون ان يلقى دعما من الاتحاد. وكذلك : الدفاع عن الكتاب والأدباء والسعي لاستصدار التشريعات التي تحمي نتاجهم وتضمن حقوقهم فيه . هذا النص الوحيد الذي أعطى الحق للاتحاد بان يصدر تشريعا لحماية نتاج أعضائه
5. ولكي يتم تصحيح هذا الوضع القانوني الخاطئ للاتحاد على المكتب التنفيذي ان يقوم بما يأتي:
1. تعديل النظام الداخلي للاتحاد وتضمينه نصوصا تنظم انتخابات الفروع واللجان وأعمالها. بما يساعد على جعل القرارات التي تصدر مسببة ومستندة الى القانون لا العرف.
2. وضع هيئة مؤقتة تنظر تمييزا بالطعون المقدمة من قبل الأعضاء المعاقبين او الذين رفضت طلباتهم.
3. تشكيل لجنة مختصة تقوم بمهمة إعادة تقييم القانون وتقديم ملاحظاتها للهيئة العامة ريثما تتم الإجابة من قبل المحكمة الاتحادية.
4. العمل على تفعيل المادة35 من الدستور التي ألزمت الدولة برعاية النشاطات والمؤسسات الثقافية بما يتناسب مع تاريخ العراق الحضاري والثقافي وتحرص على اعتماد توجهات ثقافية عراقية أصيلة. فالاتحاد يعتبر في صدارة المؤسسات الثقافية والممثل الأبرز لها وللمثقفين، وينبغي على الحكومة ان توفر المناخ المناسب للمثقف العراقي بما يمكنه من الإبداع والكتابة. وفي حالة عدم استجابة الحكومة لمطالب الاتحاد، فهناك المحكمة الاتحادية، يتم رفع دعوى ضد السلطة التنفيذية، كونها الجهة المخولة دستوريا بإعداد مشروعات القوانين، ولأنها عمدت الى عدم تشريع قانون ينظم ويفعل هذه المادة الدستورية، فيمكن رفع أمرها الى القضاء.
وتبقى الوظيفة الأهم للاتحاد ولأي مشروع ثقافي ذاتي، هي العمل على جعل المثقف يقف على مسافة واحدة مع السياسي، وتوفير أسباب القوة والتأثير تمنع السياسي من النظر الى المثقف باستعلاء وتحويل العلاقة بينهما الى عقدية بدل التبعية، وهذا لا يتحقق إلا من خلال تجريد الصلاحيات الواسعة من السياسي وجعل القانون هو الحاكم الأوحد.