مهند حبيب السماوي
قدمت الحكومة الباكستانية بنحو رسمي، خلال اجتماع حصل بين وزير داخليتها شودري نثار علي خان ونائب رئيس شركة الفيسبوك جول كابلن في الايام الماضية، اقتراحا يقتضي بربط حسابات المستعملين في الفيسبوك بأرقام هواتف اصحاب الحسابات من أجل محاربة الحسابات المزيفة وكشف شخصية من يقف ورائها.
مسؤول كبير في وزارة الاتصالات الباكستانية اوضح بان الهدف من الطلب الباكستاني هو لمساعدة الحكومة في كبح جماح الحسابات الوهمية التي تنشر البوستات المتضمنة كفرا بالدين من اجل سهولة تعقبها لدى السلطات، مضيفا: ان الفكرة نفسها يتم العمل بها بالفعل مع تطبيقات التراسل الفوري الاخرى مثل الواتساب.
الفيسبوك بدوره قد اعلن فورا، وبلسان المتحدثة باسمه كرستين شين، رفضه لهذه المقترح لان “ حماية حق المستعمل غاية اساسية بالنسبة لنا “ على حد تعبير شين، التي اكدت ان الفيسبوك لم يغير اجراءاته طبقا لطلبات الحكومات، وهو، اي الفيسبوك، يطبق عمليات قانونية صارمة وواضحة للرد على أي طلب حكومي حول البيانات او تقييد المحتويات، بل ان الفيسبوك مهتم بالقضايا القانوينة المرفوعة ضد المستخدمين والتي هي الان معلقة في المحاكم.
وبحسب التقارير، فان الفيسبوك قد استقبل نحو 1000 طلب في عام 2016 من باكستان، وقد تم الاستجابة الى نحو 70% من الطلبات، ويكرر الفيسبوك بانه سوف يستمر في الاستجابة لمثل هذه الطلبات شريطة خضوعها لمعايير الفيسبوك التي وافق عليها المستخدم حينما قام بالتسجيل في المنصة، كما ان سلطة الاتصال الباكستانية، صاحبة الطلب، قد استقبلت اكثر من 6000 شكوى من ضمنها 350 شكوى تتعلق بمنشورات الحادية! وقد تم مراجعة هذه الشكاوى واغلاق الحسابات، بل ان نحو 12977 عنوان من عناوين الانترنيت قد تم اغلاقه ايضا.
ومن وجهة نظري، اننا نحتاج لدراسة المقترح الباكستاني الذي يبدو، مع بعض التعديلات التي ساقترحها لاحقا في المقالة، وجيها ويحمل مقدارا من الواقعية، وربما يكون، في الوقت الحالي، افضل حل لمجابهة الصفحات او الحسابات الارهابية التي تحرض على العنف والكراهية والعنصرية، كما انه طريقة سريعة للكشف ومعاقبة الحسابات التي تنشر اخبارا مزيفة تؤثر على الرأي العام وتتسبب في مشكلات تتجاوز الجانب الاجتماعي والاقتصادي الى السياسي كما حدث في الانتخابات الامريكية وماحصل فيها من اتهامات طالت شبكات التواصل الاجتماعي وخصوصا الفيسبوك.
الرفض الذي جوبهت به باكستان لايعود، من وجهة نظري، الى ان اعتبار مزامنة الحسابات مع عناوين البريد الإلكترونى أكثر مرونة كما يظن البعض، بل ان لدى الفيسبوك هاجس ان مثل هذا الطلب سوف يؤدي الى قمع الحريات وتقييدها وبالتالي يفقد الفيسبوك اهم عنصر لديه وهو انه منصة حرة لطرح الافكار وعرضها من دون خوف او وجل او رقيب، واذا ما حصل هذا الامر، فان الكثير من الاشخاص سوف يقومون بغلق حساباتهم بل ان ملايين الصفحات سوف تتوقف ولن تستمر بالنشروحينها سوف يؤثر سلبا على ايرادات الاعلانات التي حققت شركة الفيسبوك، بسببها، في الاشهر الاخيرة ارباحا كبيرا جدا بلغت نحو 9 مليار دولار خلال المدة من نيسان إلى حزيران، أي بزيادة 45% عن المدة نفسها من العام الماضي.
وازاء ماتواجهه الفيسبوكمن مشكلات فيما يتعلق بالاخبار الكاذبة او الحسابات المزيفة او الصفحات التي تروج للفتنة والكراهية، فانني اقترح مايلي:
1-تطلب الشركة من صاحب الحساب الجديد ان يسجل هاتفه في الحساب، ثم يتم ارسال كود له للتأكد من ان الهاتف يعمل، ولايتم هذا الامر عبر الايميل كما يجري الان، وبخلاف ذلك لايتم فتح حساب له، مع العلم ان الرقم يبقى سريا لايعرفه الاصاحب الحساب والشركة.
2-فتح مكاتب كثيرة للشركة في الشرق الاوسط، على عكس ماهو موجود حاليا، تحتفظ بمعلومات كاملة عن المستخدمين، وخصوصا في الدول التي تكثر فيها الصراعات وتعاني من الارهاب وتجد في منصاتها الرقمية فوضى وتحريض واثارة للمشكلات التي تؤثر على الامن والسلم المجتمعي.
3-يُعين شخص، او اكثر، من لدول التي اشرت لها في النقطة الثانية، يكون بمنزلة نقطة ارتباط او منسق للعمل مع هذه المكاتب من اجل تسهيل التواصل بين الطرفين ( الدولة – الفيسبوك ) والعمل سوية للحد من السلوكيات والمظاهر السلبية التي تستشري في المنصة وعلى نحو فوري.
4- يتم وضع ميثاق جديد للعمل بين هذه الدول والفيسبوك من اجل مواجهة الحسابات والصفحات المزيفة والتحريضية وفقا لمعايير معينة تأخذ بنظر الاعتبار الظروف الخاصة التي تمر بها كل دولة، فمن غير الممكن ان تكون شروط النشر ومعاييرها التي تتعلق بالسويد هي نفس الشروط التي تتعلق بسوريا! . وللعلم ان سلطات الاتحاد الأوروبي قد ضغطت، خلال الاسابيع الماضية، على فايسبوك وتويتر من اجل جعل شروط استعمال الفيسبوك وبقية الشركات متسقة مع قانون الاتحاد الاوروبي والا فانها ستواجه عقوبات !.
5- في حالة قيام اي حساب او صفحة بالتحريض على العنف والارهاب او نشر اخبار مزيفة فان المشرفين على مواقع التواصل في هذه الدولة او تلك سيقومون بتبليغ المنسق المعين لديهم في تلك المكاتب من اجل طرح الموضوع مع الفيسبوك مباشرة ومناقشته فورا معهم وجها لوجه، وحينها يتم اتخاذ موقف سريع من هذه الصفحة او الحساب او اهمال الامر اذا كان المنشور طبيعي ولايشكل اي تهديد.
وهكذا سيعمل المنسق الحكومي مع مكاتب الفيسبوك من اجل الحد من ظاهرة الحسابات والصفحات المزيفة وبنحو مباشر بعيدا عن الاجراءات المتبعة حاليا التي تعتمد على ارسال التقارير للشركة خصوصا مع تخطي عدد مستخدمي الشبكة المليارين مستخدم والتي يصعب معها متابعة كل التقارير او الرد عليها او اتخاذ اجراء على نحو سريع، وهي الخطوات التي سميتها شخصيا بالبيروقراطية الرقمية.
الجانب الايجابي في ما اقترحته هو ما يلي:
1 – ان صاحب الحساب او الصفحة سيكون مسؤولا عما يكتب لذلك سيتوخى فيه الدقة والموضوعية وسيضطر للانقياد للمهنية ولمعايير النشر الصحيحة، كما هو الحال في اي صحيفة رصينة لازالت تحتفظ بمبادئ الصحافة الاخلاقية، ولذا سيبتعد صاحب الحساب عن التشهير والكذب والتسقيط والشتائم والاتهامات الكيدبة والباطلة … والحال نفسه يُطبق مع الصفحات التي ستكون حينها وسيلة اعلام رقمية محترمة على منصات التواصل الاجتماعي تخضع لما تخضع له اي وسيلة اعلامية تحترم نفسها.
2 – سيتم التعامل بصورة فورية مع اي مخالفة او خروج عن القانون من اي حساب او صفحة وبذلك يتم معالجة وتلافي اثارها بسرعة قبل ان تنتشر وتتسبب في تداعيات خطيرة، وحينها لن ينفع التوضيح او التكذيب.
3 – ستتخلص الشركة من الحسابات المزيفة والصفحات المزورة وبذلك يتم تنقية بيئتها الرقمية من السلبيات والسموم التي تبثها هذه الحسابات والصفحات في هذه المنصة.
4 – ستكون للاعلانات على هذه المنصة نتائج ذات قيمة اكثر واقعية واقرب للحقيقة من الاعلانات التي توجه لبيئة تتواجد فيها حسابات مزيفة .
* باحث في مواقع التواصل الاجتماعي