الحقل الدلالي والإيحائي في (شهوة الرمل)

علوان السلمان

التجربة الشعرية..(عملية الحياة والحركة العضوية..)على حد تعبير هربرت ريد.. والتي يخوض غمارها مغامر منتج يسعى لتأسيس فضاءات عوالمه الحالمة والجمعي الآخر باقتناص اللحظة الخالقة لحقلها الدلالي والايحائي المستفز لذهنية المستهلك(المتلقي) لاستنطاقه والكشف عما خلف صوره والفاظه..
و(شهوة الرمل)..المجموعة الشعرية التي نسجت عوالمها النصية الحالمة انامل الشاعر ابراهيم مصطفى الحمد.. واسهمت دار الابداع في نشرها وانتشارها /2017..كونها نصوصاً تستند الى عدة معايير ومقاييس تنصب على الجوانب الدلالية والشكلية والبصرية باعتمادها عمود الشعر الناثر لتفعيلاته موهماً بحداثته احياناً….اضافة الى انها تقوم على درامية الحدث والتوتر مما يجعلها تاركة لأثرها في ذات وفكر المتلقي لقدرتها اللغوية المشحونة بكم من الدلالات..
وما كلانا
سوى كل الذي حصلا
وكان حلماً
وكنا واحداً عسلا
فما ارتوينا
وكان النهر يعزفنا
قيثارة
تنتضي من بعضها قبلا
وكنتِ..كنتُ
كعصفرين غرهما
هذا التوحد
لمّا غصنه اكتملا /ص5 ـ ص6

فالنص يعتمد السياق الشكلي التقليدي(الفراهيدي) ..والفسحة الجمالية والمخيال المتقد وثنائيات متصارعة ديناميا والمتمحورة داخل تيمتها المركزية مبنى ومعنى.. بتوظيف لغة التشخيص الاستعاري والمجاز المؤنسن وخطاب الترميز..فضلا عن اعتماده الوصفية المقتضبة باستعمال صور المماثلة والمجاورة لتفادي الاستطراد من جانب ومن جانب آخر توظيف الجمل الفعلية الدالة على الحركية والتوتر الدرامي بتراكيب لغوية موجزة والفاظ موحية لتحقيق ايقاعية متناغمة وتسريع الاحداث بشكل دينامي حيوي..
والشعر مثلي
في عيونك راحل
وله ببستانيهما اسفار
هو عاشق مثلي
وفوق جناحه امم
تسير وعالم يمتار
وعيونك
البحر المحيط عوالمي
والى عيونك يصعب الابحار
القت نداء العشق
وهي عليمة:
لندائها تتحرك الاحجار /ص37 ـ ص38
فالنص تكوين حكائي بهندسة معمارية حداثية مخاتلة وجمالية معرفية تفضي بالذات المنتجة الى مناخات وفضاءات في اللامرئي(المتخيل) في هيكليته البنائية باعتماد لغة متشظية .. مستفزة.. متكئة على الابهار الجمالي بصورها المركبة المتشكلة من ايجاز العبارة وتكثيفها مع بلاغة السرد التي تقود الى آفاق رحبة ترصد حالة ذهنية متقدة مع اختزال مضموني وتركيز على الدال اللغوي والمدلول خارج تكوينها القاموسي..

لحبيبتي
تتراقص الازهار
والقلب
والشرفات
والاقمار
ولها تقوم قيامتي
لو اقبلت
وعلى الشفاه
تورد النوار
اشكو لها حزني
فتضحك
انها تدري
بنظرة عينها انهار
ويصيبني
لما تجيء حبيبتي
عند المساء تلعثم
ودوار /ص 31 ـ ص32

فالنص خلق ابداعي تتعانق فيه الذات المنتجة والآخر..كاشفاً عن خلجات النفس وما يعتمل في دواخلها من احاسيس ومشاعر وجدانية.. عبر مجموعة من الثوابت والمكونات الفنية والجمالية(فعلية التركيب الجملي والتتابع الصوري والتكثيف اللفظي الشفيف..)..فضلا عن المكونات الصوتية والايقاعية الجاذبة من خلال تشكيله لطاقة تعبيرية بفعلها الفاعل داخل الزمن وحركة الافكار لتقديم الحكاية الشعرية النامية نمو فعلها المثير للتأويلات بتعدد حقوله الدلالية المعبرة عن القيم الانسانية..
قــدمي رجلكِ هيا انطلقي
غمـسيها بجــنون الـورق
وقفي منتصف الشعر على
قلق الصمت وصمت القلق / ص106 ـ ص107
فالشاعر يخترق عوالم الذات الداخلية ويتابع فعالياتها فيخلق حوارا منولوجياً منسجماً والتكوين السايكولوجي بلغة مكثفة موحية وامضة بإيحاءاتها الرامزة وهي تترصد وهم الانفعالات واعادة صياغتها بمظاهر الخطاب اسلوباً وبناء ودلالة مع استلهام المتناقضات التي تمتد على خارطة الجسد الاجتماعية فتكشف عن كنهه الانساني الذي يتشكل بفعل المتغيرات واستجابته لها بوصفه جوهر الوجود.. اضافة الى الرمزية المعبرة والتشخيص الاستعاري والمجاز ووحدة موضوعية ترتكز على الوجدان الذاتي..ابتداء من العنوان المؤشر الدلالي الذي يمازج بين الذات والموضوع.. فضلا عن التأكيد على المكان كونه وعاء فكرياً للذاكرة..
وبذلك قدم الشاعر نصوصاً تتسم بالحراك الدينامي بتوهج ايحائي عاطفي.. من اجل تحقيق ذاته امام خواء الحياة ومعطيات الواقع..

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة