مع الاضطلاع بدور الوسيط الحذر والفعال
لوري بلوتكين بوغارت
يصادف يوم 2 آب/أغسطس، الذكرى السابعة والعشرين لاقتحام قوات صدام حسين حدود العراق الجنوبية واضعةً نصب أعينها هدف ضمّ جارتها الصغيرة الحجم، الكويت، إلى أراضيها. وعندما أُجْبِر العراقيون على الانسحاب من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، قاموا بإشعال النار فى 700 بئر نفط كويتي، مما أدى الى تدمير اقتصادي وبيئي هائل.
وما يزال الغزو والاحتلال العراقييْن للفترة 1990-1991 يشكلان عنصراً أساسياً من الوعي الوطني الكويتي. فقد أظهرت هذه التجربة أكثر من أي حدث آخر في تاريخ البلاد الحديث الضعف الهائل في كونها دولة صغيرة غنية بالموارد ومحاطة بجيران أكبر وأكثر قوة في منطقة متقلبة. كما رسمت طريقة تفكير عائلة آل صباح الحاكمة في الكويت، والنخب السياسية الأخرى، وعامة الشعب حيال الأمن الإقليمي. وتحدّد هذه التجربة التاريخية إطار مقاربة الكويت تجاه أزمة الخليج الحالية التي تؤلّب ثلاث دول خليجية هي المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين، بالإضافة إلى مصر، على دولة خليجية رابعة صغيرة هي قطر.
ويتمثل نهج الكويت الأسمى تجاه الخلاف مع قطر في الاضطلاع بدور الوسيط الحذر بل الفعال. وحظيت الكويت بتأييد دولي كبير لدورها، الأمر الذي وفّر بدوره المزيد من الأمن للبلاد خلال هذه الفترة المتوترة. ويُعتبر أمير الكويت الذي يقود جهود الوساطة، الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أحد الشخصيات الحكيمة والمتمرسة في المنطقة. فقد أمضى عقود كدبلوماسي ووسيط، من بينها قبل بضع سنوات فقط حول نفس القضايا الأساسية مع معظم الجهات الفاعلة نفسها كما في الأزمة الحالية.
وفي حين تعود تقاليد الوساطة في الكويت إلى عقود مضت، فقد كان لها معنى خاص في السنوات التي أعقبت تحرير البلاد من العراق. وكما وصفت الأستاذة في “جامعة الخليج للعلوم والتكنولوجيا” في الكويت، مريم الكاظمي، أن “ذكرى الغزو العراقي يشكل حافزاً قوياً”. وكان الأمير نفسه شخصية رائدة في إعادة الكويت إلى ما كانت عليه بعد تحريرها.
وفي هذا السياق، تسلّط الكويت أيضاً الضوء على الحاجة إلى الاستقرار، والعلاقات السلمية بين دول «مجلس التعاون الخليجي»، وسلامة الهيئة الإقليمية. وفي خطب رئيسية منذ بداية الأزمة، أعرب أمير البلاد عن [شعوره بـ “المرارة”] و”تأثره البالغ” بالتطورات “غير المسبوقة” [التي يشهدها “البيت الخليجي”]، ودعا إلى وحدة وتماسك الموقف الخليجي و “رأب الصدع بالحوار [والتواصل]”.
ويتعين على هذه الدولة الصغيرة أيضاً السير بحذر لإقامة توازن بين الحفاظ على نهجها السياسي المستقل وبين سيادتها، مع الحفاظ في الوقت نفسه على تحالفها الأمني مع المملكة العربية السعودية – مركز الثقل السياسي في شبه الجزيرة العربية. وهناك قلقاً في الكويت حول ما إذا كانت البلدان التي وقفت على الحياد في الأزمة الخليجية، كما فعلت الكويت وعُمان، ستكون التالية التي ستخضع للضغوط من أجل إحداث تعديلات كبيرة على سياستها.
وتشكّل جماعة «الإخوان المسلمين» مثالاً على مقاربة الكويت المختلفة في سياق الأزمة الراهنة. إذ إنّ حركة “حدس”، وهي الفرع السياسي لـ «الجماعة» في الكويت، تعمل كرابطة قانونية تتنافس على مقاعد في البرلمان الكويتي الناشط المعروف بـ “مجلس الأمة”. ومن ناحية أخرى، أعلنت الدول المقاطِعة أن جماعة «الإخوان المسلمين» هي منظمة إرهابية (مع قيام البحرين بتوفير الفرص لجماعات «الإخوان» الاجتماعية والسياسية الخاصة بالجزيرة التي تخلت عن علاقاتها الخارجية). ولدى الكويت أيضاً تاريخ طويل من التسامح مع الصحافة المتنوعة مع حريات ليس لها مثيل في دول «مجلس التعاون الخليجي». وتُعتبر مناقشة السياسات الداخلية والخارجية في الكويت أمراً طبيعياً، ومرة أخرى خلافاً لأماكن أخرى في الخليج. ومن المهم ملاحظة الطبيعة النسبية التي تطبع هذه الحريات. ففي السنوات الأخيرة، اتخذت الكويت أيضاً تدابير قاسية ضد أشكال التعبير السياسي والاحتجاجات تخطت في بعض الأحيان خطوطاً حمراء غير واضحة.
ومن وجهة نظر الكويت، فإن ما يحدث مع قطر يحمل تداعيات على الكويت [أيضاً]. وكما قال لي أحد الناشطين الكويتيين، لو تعمل الدول المقاطِعة على إجبار قطر على تغيير قيادتها، أو تفرض بالقوة على القيادة الحالية في الدوحة إعادة توجيه سياستها الخارجية بالكامل، فإن ذلك سيشكل تهديداً للاستقلال السياسي الكويتي أيضاً.
لقد أدّى موقف الكويت الأساسي الذي ما زال ضعيفاً من الخلاف الخليجي إلى إحداث وحدةً وطنية كبيرة. ويبدو واضحاً أن الأمير يحظى بتأييد واسع بين الكويتيين لدوره في هذه الأزمة. وقال لي حمد الثُنيان: “يمكنني القول بسهولة إن الغالبية الساحقة تؤيد الجهود المستمرة التي يبذلها الأمير”. وأضاف، “يبدو أن معظم الكويتيين فخورون بمعالجة الأمير للأزمة ومتّحدون خلفه بصورة لم نراها في السنوات الأخيرة”. وأوضح لي عبد الله الخنيني، باحث مساعد في “معهد الرأي للدراسات والبحوث الاستراتيجية” في الكويت: “نحن جميعاً نثني على هوية ‘وسيطنا’ “.
وحتى يبدو أن هناك نزعة قومية تستعيد نشاطها في الكويت مرتبطة بتأييد الكثيرين لموقف دولة قطر الصغيرة. فقد قالت الدكتورة الكاظمي: “إن الأزمات السياسية المفاجئة التي تهدد الإمدادات الغذائية تثير ذكريات راسخة في أذهان الكويتيين الذين عاشوا خلال الحرب العراقية”. وفي وقتٍ تحظّر فيه السعودية والإمارات أي انتقادات لسياستهما تجاه قطر، يشعر الكثير من الكويتيين بالامتنان إزاء المساحة الأوسع نطاقاً للجدال السياسي في بلدهم. وفي هذا الإطار، قال عبد الله الخنيني: “إن قدرتنا على مشاركة رأينا حول هذه القضية عبر وسائل الإعلام، ومتابعة المناقشات الرامية لمعالجة القضية عبر وسائل التواصل الاجتماعي تجعلني أدرك قيمة دستورنا”.
ولقد برزت مؤشرات على إقدام الدول الرئيسة التي قاطعت قطر على ممارسة ضغوط على الكويت لتحذو حذوها. ويتمثل التحدي الذي يواجهه أمير الكويت في إيجاد حل للأزمة يعالج أسباب امتعاض الدول المجاورة من دون خلق تصوّر بأن قطر تفقد استقلاليتها في خضم العملية. ويدعم شركاء الكويت الأمريكيون دور الأمير، كما اتضح عندما اتخذ وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون من الكويت قاعدة لإجراء “دبلوماسيته المكوكية” في الخليج في تموز/يوليو. وسيكون من الحكمة أن تواصل واشنطن العمل مع الكويتيين للمساعدة في تعزيز موقفهم وحمايتهم من العواقب السلبية لدورهم المتوازن.
*لوري بلوتكين بوغارت هي زميلة “باربارا كاي فاميلي” في معهد واشنطن.