في حوار مع مدير الدراما في شبكة الإعلام العراقي:
حاوره عبد العليم البناء:
الفنان الدكتور حيدر منعثر، غني عن التعريف، فقد خاض غمار العملية الفنية بتمظهراتها المختلفة، عبر العديد من عطاءاته التي قدمها تمثيلا وتأليفاً وإخراجاً، ليس في المسرح وحده، وإنما في الدراما التلفزيونية والسينما بل وحتى الإدارة الفنية، وربما لهذا كله تم اختياره لمهمة مدير الدراما في شبكة الاعلام العراقي، ليوضع في اختبار جديد وصعب، في وقت يرى كثيرون ضرورة الالتزام بالقاعدة الذهبية (وضع الرجل المناسب في المكان المناسب)، التي باتت مفقودة في كثير من مفاصل الواقع العراقي الراهن.
مع الدكتور حيدر منعثر، كانت لنا هذه الجولة من الحوار، الذي جاء في ظل انعدام التخصيصات المالية للإنتاج الدرامي، وبطالة الفنانين واسعة النطاق، على عكس (البحبوحة المالية) التي عاشتها الدراما، قبل أكثر من عامين، وقد تم إجراء هذا الحوار قبل لقاء السيد رئيس الوزراء بمجموعة من الفنانين، للبحث في واقع الدراما العراقية ومشكلة تخصيصاتها المتوقفة، بقرار من وزارة المالية:
* ما الذي تمثله هذه المهمة الجديدة لكم، على الصعيد الفني والابداعي والإداري؟
– انها مهمة لا تقل صعوبة عن مهام أساسية، أوكلت لي منذ العام 1991، عندما توليت أول مسؤولية فنية وإدارية شائكة، وهي إدارة منتدى المسرح، مديراً شاباً مع الزميل خالد علي، بعد إدارة عراب المنتدى، الأستاذ مقداد مسلم، وتوالت المسؤوليات، الآن انا مدير الدراما التي هي بوضع وحالة مؤسفة تعيشها الدراما العراقية بنحو عام، متمثلة بقلة التخصيصات المالية الحكومية، للإنتاج الدرامي في شبكة الاعلام العراقي، وأعتقد ان الإدارة في مجلس الأمناء الموقر، قد ذهبت الى اختياري لأسباب مهنية وفنية، ولما امتلكه من سيرة ذاتية مؤهلة لهذا الموقع، مع صعوبة المهمة والنجاح بها، لعدم وجود الأموال المنعشة والمنتجة، لهذا الفن الاجتماعي المهم، والفعال في داخل بنية المجتمع الأخلاقية والوطنية، ولا أخفي قلقي في أني وضعت في اختبار جديد وخطر، ولكني متأكد من قدراتي في النجاح، لو توفرت الأجواء الصحيحة للعمل، وهي كذلك حتى الان.
* اذاً توليكم لهذه المهمة، ربما جاء بعد تراكمات وتداعيات متباينة ما الذي فعلته لتجاوزها، والشروع بمنهج جديد ومختلف؟
– واقع الدراما التلفازية غير مشجع، وليس بمستوى الطموح للفنان المشترك فيه، ولا للمتلقي العراقي أيضا، ثقافة التسقيط والازاحة، للأسف شائعة في الوسط الفني في العموم، والبعض يتخذها مهنة وتشريفا هذه الأيام، أنا لا أنتبه الا لخطوتي المقبلة، فقد سبقتها خطوة مني كانت دافعة ومؤثرة، ما سأفعله أني سأعمل بمنهج وخطة واضحة وصريحة، وفيها (عدالة الأفضل)، سأقدم الأفضل اختياراً وانتاجاً، لا أحابي ولا أسيَر، تحملت المسؤولية بملف شائك وفيه دهاليز كثيرة، سأعمل عبر زجاج شفاف غير قابل للكسر، وابواب مفتوحة تتسع فقط للإبداع.
* ولكن هذه المهمة وهذه الرؤى، ربما تتقاطع أو تتلكأ، في ظل عدم وجود تخصيص مالي، وإن توفر فهو قليل، مقارنة بتخصيصات كبيرة سابقا؟
– البحبوحة المالية السابقة، لم تأت على وفق ما نطمح إليه، وكانت خارج حدود التسابق والتميز، إلا ما ندر منها، وبقيت الدراما العراقية للاستهلاك المحلي المحدود، المال وحده لا يصنع الابداع، وإن كان في الدراما التلفازية مهما وفاعلا، في خضم لعبة التشويق والتسابق المعروفة، ولكن عندما يعطى المال بلا حساب، ولأغراض شخصية ونفعية، تأتي نتائج الخراب الفني الذي حل بالدراما، على قلة ما تم تخصيصه لنا في الموازنة العامة، والذي لم يصل الينا حتى اللحظة ، ألا أننا وضعنا خطة إنتاج درامي متوازنة ومتنوعة، بتنوع أشكال وألوان الدراما، يعمل بها الفنان العراقي باحترام وتقدير، ومنح فرص الإنتاج للأفضل من العطاءات، والنصوص المقدمة، وبميزانيات معقولة وغير مريبة، أنا رجل دراما منذ 35عاما ، وأعرف كل دينار كيف يصرف، ولماذا في الإنتاج الدرامي؟
* اذا ما الذي سيتم تقديمه من اعمال درامية، في ظل انقطاع شبه تام عن شاشة العراقية، وبقية الشاشات الفضائية ؟، وماذا عن خطتكم لشهر رمضان المبارك ؟
– وضعنا خطة عاجلة لشهر رمضان، لعدم وصول التخصيصات التي وعدنا بها، والتي بذلت قيادة الشبكة، متمثلة برئيس مجلس الأمناء ورئيس الشبكة، جهودا استثنائية من اجل الحصول عليها، فاشترينا مسلسلات عراقية منتجة، ولم تعرض من قبل، وبأسعار تنافسية مناسبة، كذلك مسلسلات سورية ومصرية، انتاج 2017 و2016، كما انتجنا العمل الكوميدي الاجتماعي (دايركت )، خصيصا لشهر رمضان المبارك، بطولة اياد راضي، والاء حسين، ومحمد حسين عبد الرحيم، وزهير محمد رشيد، وسعد خليفة، واسعد عامر، ونسمة، وناهي مهدي، وآخرون، وهناك العمل المصري العراقي (صفين لولو)، بطولة عزت أبوعوف، ورانيا البحيري، وكاظم القريشي، وسولاف جليل، وغيرهم.
* يقال أن التخصيصات المالية الموعودة، مشروطة بإنتاج أعمال تعبوية، فماذا عن الاعمال الاجتماعية، بأبعادها الإنسانية والوجدانية والرومانسية ؟
– الدراما هي الحياة بكل تنوعها، وهي الوجه الآخر من حياة أخرى نطمح لها، ونريدها أن تكون بديلا عن واقع نسعى لتصحيحه، والارتقاء به، هكذا أفهم الدراما، وهكذا قدمتها في كل منجزي الفني، الموسم الدرامي، سيكون متنوعا في الاشكال، والأساليب الفنية، سنقدم دراما معاصرة، تحاكي واقعنا، وتسعى للارتقاء بالفعل الإنساني للفرد، داخل المجتمع، وإعادة الروح الوطنية والمجتمعية للأسرة العراقية، لن نقدم أشكال العنف والقتل والجريمة، سنقدم دراما اجتماعية عائلية، وكذلك إعادة الدراما الرومانسية الغائبة عن التلفاز العراقي، ولكن مع ذلك لابد من دراما المعركة الوطنية، دراما الوطن والشجعان، ومعركة العراق المصيرية، سنقدمها بطريقة بعيدة عن الفجاجة الدعائية المباشرة، كجزء من حركة المجتمع العراقي والمتغيرات الأخلاقية، والوطنية عليه، نحاول جاهدين من خلال خطة الدراما لهذا الموسم، أن نشرك أكبر عدد من الفنانين والفنيين، والحرفيين العاملين في الدراما، وكسر حاجز البطالة الذي تعانيه هذه الشريحة، بسبب توقف الإنتاج الدرامي منذ أكثر من عامين، لن نقدم اعمالا بميزانيات ضخمة كما كان يحدث سابقاً، كذلك نشجع نظام الرعايات والمناصفة المالية بين الشبكة، وشركات الإنتاج الفني، لتحفيزهم على إيجاد سوق بيع لأعمالهم، وتحمل المسؤولية الفنية والمالية المشتركة.
* نجوم الكوميديا في العراق محدودون، وفي مقدمتهم نجم العراق الكبير قاسم الملاك، هل سنراه مع النجوم الاخرين قريباً، على شاشة العراقية، في اعمال مهمة وهادفة ونظيفة، تليق بالعائلة العراقية؟
– للكوميديا حصة معقولة في خطة الانتاج، وقد استقبلنا نصوصا كوميدية لأسماء مهمة، ستقوم لجنة الفحص باختيار أفضلها لأجل التقديم، سنقدم كوميديا عائلية، بمواصفات فنية تليق بالمجتمع، وسيرة الكوميديا، وتأريخها الفني في العراق.
* وعلى الصعيد الشخصي، ما جديدك درامياً ومسرحياً، أم ان المهمة الإدارية الحالية ستبعدك عن ميدانك في الإخراج، والتمثيل، والتأليف؟
– أنا في عمل دائم، لا يمكن للإدارة ان تعطل الأهم في ذاتي وكينونتي الفنية، فبرغم صعوبة مهمة قيادة الدراما التلفازية، أنا اكتب وأمثل وأخرج وحتى أصمم، انتهيت من كتابة مسلسل كوميدي بعنوان (ليس لدينا فرع آخر)، يتناول الواقع السياسي العراقي، بسخرية النقد، والتهكم المجتمعي، كذلك أتهيأ لإخراج أحد عروضي المسرحية التجريبية، هذه المرة، وليست الشعبية، وهو من تأليفي، واخراجي، وبعنوان (طوق العمامة)، ولكن الحدث الأهم الذي أنجزته وأخذ مني عاما في الكتابة، هو سيناريو فيلم سينمائي، قدمته لإحدى شركات الإنتاج العالمي في هوليوود، بعنوان (لمن الجنة؟)، ويتحدث عن التطرف والارهاب العالمي.
* وما كلمتك الأخيرة..
– ربما هذا أول حوار وتصريح موسع لي في الصحافة، منذ تولي منصب مدير الدراما في شبكة الاعلام العراقي، تحفظت كثيرا قبل أن أدلي بأي تصريح عن مهمتي هذه، أردت أن اعمل بلا ضجيج ودعاية، وعبره أردت أن أوضح بعض اللبس الحاصل، حول المهمة وخطتنا في العمل، مهمتي ليست سهلة، وهناك من يتصيد في بركة النفاق، والانتهازية الآسنة، لإفشال مهمتي، في رمضان أولى خطوات نجاحي، ونجاح الشبكة في عملها المنهجي، لصناعة دراما تليق بالفنان والمجتمع العراقي، أدعو كل زملائي الفنانين أن يتمسكوا بروح التعاون، والايثار لتحقيق هذه الأهداف النبيلة، والله من وراء القصد.