الاستفتاء… وماذا بعد؟

من المؤسف لنا كأصدقاء لشعب كوردستان وقضيته العادلة، أن نرى كل هذا الإصرار من قبل الرئيس المنتهية ولايته لإقليم كوردستان السيد مسعود البرزاني، في اللعب بورقة الاستفتاء على مصير الإقليم في مثل هذه الظروف والأوضاع المعقدة التي نمر بها جميعاً (في بغداد وأربيل والسليمانية وبقية المناطق). عندما نحاول قراءة مثل هذه المواقف والتوجهات، ومدى قربها أو بعدها من التطلعات الديمقراطية والمشروعة للشعب الكوردي على أرض الواقع لا التمنيات؛ نجدها استعراضية وتعبوية أكثر منها عملية ومفيدة لحق الكورد في تقرير المصير. مثل هذه القرارات والخيارات (الاستفتاء والإعلان عن الدولة المستقلة) تحتاج الى تحولات وقرارات شجاعة تمهد لها، في مقدمة ذلك؛ وجود المؤسسات والتنظيمات والمناخات الديمقراطية، التي من دونها، يمكن ان تتحول أفضل القرارات الى مغامرة لا تحمد عقباها، والوضع الداخلي في الإقليم لا يشير لوجود مثل هذه الشروط الأساسية لمثل هذه الانعطافات التأريخية، فالأحزاب السياسية المهيمنة (البارتي واليكتي) تخضع لسلطة عائلتين (البارزاني والطالباني) وكل من عاش قريباً منهما زمن النظام المباد وبعده يعرف جيداً آليات اتخاذ القرار فيهما.
يبدو أن الدوافع التي تقف خلف كل هذا الإصرار على إجراء الاستفتاء، ولا سيما من الحزبين المذكورين حيث قررا في اجتماعهما الأخير في أربيل إجراءه في 25/9 من العام الجاري، بالرغم من مقاطعة حركة التغيير (كوران) والجماعة الإسلامية لذلك الاجتماع؛ بعيدة عن الادعاءات الرائجة، وأقرب الى الهروب من المستحقات التي أشرنا اليها، والتي يعجز الحزبان عن مواجهتها. هم يعرفون تماماً حجم الإمكانات الواقعية للإقليم ونوع المخاطر التي تحيط به، وما تجربة الحرب الأخيرة ضد عصابات داعش إلا مثال قريب على ذلك، وهذا ما نصح به الحليف الأساس للإقليم الولايات المتحدة الأميركية حول موضوع الاستفتاء وكذلك روسيا وبقية الدول المؤثرة في المنطقة.
كسكان لهذا الوطن المنكوب، عانينا كثيراً من القوميين والشوفينيين (عربا وكوردا وتركمانا و..) منذ ولادة الجمهورية الأولى حتى يومنا هذا، حيث تعقد المشهد أكثر بعد صعود نجم الطائفيين، فهم جميعاً لا يجيدون؛ غير وظيفة تسميم الأجواء وهدم كل جسور التعايش والثقة بين شعوبه. التجربة الحالية مع كل ما رافقها من عيوب وعسر في التحول صوب عراق اتحادي ديمقراطي، هي خيارنا المشترك وخشبة خلاصنا المجربة، وسنخسر جميعاً إن فرطنا بما أتاحته لنا من فرص كبيرة لإعادة البناء على أساس وطيد من الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة. لن يحصل الشعب الكوردي على أي مكسب من تأجيج روح العداء للشعوب الأخرى، وما حصدناه برفقة الشوفينيين العرب ورسالتهم الخالدة، حفر أخاديد عميقة ومؤلمة في تأريخ العراق الحديث، نحن بحاجة لزعامات تعيد ترميم علاقات الثقة وروح التعايش السلمي والاحترام المتبادل بين سكان العراق من شتى الرطانات والأزياء، لا زعامات تعيد تدوير خطابات الكراهة والأحقاد المتبادلة، والتي لم نجني منها غير هذا الركام الهائل من الحرائق والخراب. طريق الديمقراطية وحرية تقرير المصير، له شروطه ومتطلباته البعيدة عن قيم المتعصبين وضيقي الأفق والمغامرين وتجار الحروب، ممن يضعون مصالحهم الفئوية والأسرية الضيقة فوق كل اعتبار. وسكان كردستان بالخبرة الهائلة التي امتلكوها والتجارب المريرة التي عاشوها سيعيدون ترتيب هرم الأولويات بعيداً عن بورصة المزوادات في بازار الحلم القومي ومشتقاته..
جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة