دانا جلال
كاتب من إقليم كردستان
لإدراك ما يجري في قطر يجب أن ندرك المُتَّغيرات الجديدة في البيت الأبيض، والولاية الأولى لِرجلِ أعمال يحكُم ويتَّحكم بأميركا التي تخلت عن مهام الرئيس المُمَثِل والمُعَبِر عن مصالح الشركات المُتَّعددة الجنسيات لِصالح رجل أعمال هو الأكثر تمثيلاً وتعبيراً عن مصالح تلك الشركات وسياساتها.
بدأ ترامب بممارسة الاقتصاد مِنْ بوابة السياسة بعد اختياره لِبقعة جغرافية تتركز وتتمركز فيها الثروات. اختيار ترامب الخليج العربي لإدارة مشروعه الربحي الأول كان موفقاً من خلال عملية واحدة جنى فيها نصف ترليون دولار مقابل صفقة لَنْ تتوقف لأنها لا تقتصر على أزمة تغريدة الأمير.
إعلان ترامب مِنْ خِلال المحور الجديد ( السعودية – مصر – الاردن) والبقية مُلحَقاتْ حرب الغاز واختياره للساحة القطرية التي تملك بحدود 30 % من المخزون العالمي مؤشر لنهاية عصر النفط وحروبه.
حروب الخطوط الناقلة للغاز بداية لحروب مقبلة ستشهدها البشرية. البداية كانت خط «نابوكو» العابر للقارات لنقل الغاز من أواسط آسيا إلى أواسط أوروبا وتفادي المرور بروسيا. هذا الخط كان مبنياً أساساً على استراتيجية حلف الناتو للاستمرار في تطويق الروس ومحاولة كسر احتكارهم لتجارة الغاز العالمية.
بعد إفشال الروس لمشروع «خط نابكو» لجأت الإدارة الأميركية الى مشروع خط الغاز القطري حيث تصدر قطر غازها عبر اراضي المملكة العربية السعودية، ثم سورية ويلتقي بخط الغاز المصري والإسرائيلي ليتجه شمالا إلى تركيا ثم اوربا. هذا المشروع بقي مُعَلقاً لِبقاء الأسد في الحكم برغم الدعم القطري والتركي للمجاميع الارهابية لإسقاطه ومن ثم الاعلان الرسمي عن بدء المشروع.
لا تواجه قطر مشكلات الخط الناقل فقط، بل انها تعاني من مشكلة تقاسمها الغاز مع ايران التي تمثل من وجهة النظر القومية والمذهبية واجهة للصراع الحضاري والتاريخي والمذهبي مع الفضاء الخليجي؛ فحقل الشمال البحري القطري ويمثل 20% من احتياطي الغاز العالمي، تتقاسمه مع إيران، وهذا يفسر حرص قطر على ابقاء علاقاتها مع ايران بعيدة عن التوترات التي تحرص اميركا والسعودية على إبقاء جذوتها بل وتصعيدها.
تصدير قطر للغاز بعيداً عن جيرانها المُنتجين للنفط في مجلس التعاون الخليجي يمكن تفسيره بخلافات العائلة الحاكمة في قطر والسعودية، والتي تصاعدت في عام 1995، عندما قام الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني بالانقلاب على حكم والده، واعتبرت السعودية والإمارات حينها هذا الانقلاب سابقة خطيرة بالنسبة للأسر الحاكمة في الخليج، وبدأتا بالتخطيط ضد الأمير القطري الجديد لدرجة المحاولة الانقلابية ضد الامير وفق الدوحة.
حزمة مفاجأة، وسريعة، ومكثفة من العقوبات ضد قطر لا يمكن تفسيرها إلا من خلال سياسة الصدمة لإعادة رشدها السياسي وفق التفسير (الاميركي – السعودي) لتنفيذ المطلوب منها لمرحلة ما بعد داعش وأخواتها.
ستضطر الامارة التي نسيت حجمها ودخلت دون وعي، أو أُدخلت صاغرة في لعبة الكبار للتنازل والموافقة على الشروط السعودية وهي (قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران فورًا، طرد جميع أعضاء حركة حماس من أرضيها، وتجميد حساباتهم البنكية وحظر التعامل معهم، الإعلان الرسمي بالاعتذار لجميع الحكومات الخليجية عما بدر من إساءات من قناة الجزيرة ووقف بثها، وتعهد الدوحة بعدم ممارسة حكومتها لأى دور سياسي يتنافى ويتعارض من سياسات دول الخليج بما في ذلك الموقف من الحوثيين وحزب الله اللبناني، وتقييد الدوحة بميثاق العهد الذى وقع فى عام 2012 بعهد الملك عبدالله) لأنها غير قادرة على تجاوز العقوبات السياسية والاقتصادية والاعلامية، فعلى سبيل المثال فان الغاز القطرى سيتعرض لخطر كبير بسبب منع مروره من قناة السويس إلى الدول الأوروبية، ومروره عبر طريق رأس الرجاء الصالح ستصبح المسافة نحو 3 أضعاف المسافة.
إنَّ أزمة «تغريدة الأمير» هي بداية لإشهار إفلاس أضخم شركة متعددة الهويات في مجال الإرهاب «داعش»، لان داعش وقبلها القاعدة لم تكونا سوى منظمات إرهابية مُتَّعددة الجنسيات في مجال تمويلها وتغذيتها من قبل الدول التي تتهم الآن قطر بدعمها لداعش.
انها محاولة لتحميل تلك الإمارة رغم دورها الكبير بدعم الارهاب كل ما جرى من ويلات في منطقتنا والعالم، واظهار القوى المتحالفة ضدها بانها بريئة من دعم تلك المنظمة الإرهابية.
عزل قطر أو اعادتها للمخطط الأميركي ضمن شروط ومهام مختلفة، بل ومتناقضة هي مرحلة جديدة في منطقتنا، أبرز عناوينها نهاية دور المحور (التركي – القطري) في قيادة الفضاء العربي والاسلامي وظهور المحور (السعودي – المصري) .
مرحلة جديدة، ولاعبين جدد، ومنفذين ثانويين سيلعبون أدوارهم بعد انتهاء دور الفنادق السياسية في اسطنبول، ونهاية العصر الذهبي لقاعدة انجرليك سيجعل من اردوغان مستمعاً لنصيحه رئيس حزب الشعب الجمهوري التركي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو حينما طالبه بالتخلي عن دعم الإخوان لتجنب الوقوع في مطب قطر، والتوقف عن رفع شعار «رابعة» وعدم استقبال واستضافة رموز الإخوان الذين يتهمهم العالم الإسلامي بدعم الإرهاب. أو يأخذ بنصيحة الكاتب المحافظ يوسف كابلان الذي يكتب لصحيفة «يني شفق» التركية الموالية للحكومة، بعد أن أطلق هاشتاغاً بعنوان #TurkeywithQatar أو تركيا مع قطر. وقال على موقع تويتر: قطر هي صمام التنفس التركي. ولن تتخلى تركيا عن قطر. فالهدف الرئيسي هو تركيا.
مَنْ يسبق مَنْ بمقدمة القول، سلطان أنقرة أم أمير الدوحة، حينما يردد في مشهد تأريخي بصيغة المأساة المكررة على شعوب منطقتنا والملهاة المستنسخة على صعيد دور القادة، «نخسر أو نخسر تلك هي الحقيقة»؟
لقد خسرت انقرة والدوحة الرهان على الاخوان المسلمين والمنظمات الارهابية في قيادة المنطقة، فهل أدركت قطر الرسالة والمطلوب منها لاحقاً؟ العملية الارهابية في البرلمان الايراني، وبمقربة من ضريح الامام خميني هي رسالة موجهة من قبل داعش بصيغتها الجديدة عن تبادل الأدوار والمستهدفين… تابعوا الجزيرة.
الغاز قطري، والجُغرافية سورية، والأزمة ليستْ بِتَّغريدة أميرية
التعليقات مغلقة