مهند الخيكاني
يبدو أيضا أن غلبة المثقفين والكتاب والفنانين بأنواعهم ، هي أيضا غلبة الحكومات الأعلى والأقوى في العالم . نحن منذ زمن بعيد لسنا سوى سوق لاستيراد البضائع الفكرية والثقافية وغيرها ، ومستهلكون بطريقة لا تطاق لكل النتاجات الغربية ، وربما قد لا ينطبق هذا القول على كل دول العالم الغربي ، إلا انهم رغم ذلك هم الأعلى مرتبة ثقافيا وفكريا وما ينتج عنهما من أهمية بالغة في بناء وتكوين مجتمعات صالحة لضمان حياة جيدة وهذا جانب آخر يجذب المجتمعات اعجابا ولهفة للتشبه بهم .
هذا الضغط الذي نحن في صدده جعلنا في منطقة الجماهير المنتظرة دائما ، ننظر الى الملعب الشاسع والكبير لنجد ان هناك عينات عربية نادرة استطاعت ان تصدر نفسها بشكل معاكس الى تلك الثقافات .
ولاشك ان السبب ليس سياسيا فقط هناك عوامل اخرى ، لكنه السبب الأهم منذ وقت طويل .
كما ان المشكلة الاخرى ان دور النشر اجمالا هي دور ربحية ، واستمرارها بـ: اعادة طباعة كل هذه النتاجات الغربية وتدويرها في الاسواق على حساب المنتج المحلي والعربي، شارك بضرب واضعاف النتاجات المحلية ، والى ان أصبحت هذه الصورة ملمحا في ثقافة القارئ والكاتب بشكل عام ، بـ: أن يلجأ دائما الى النتاج الغربي ، وهو ليس أمرا سيئا ، فالنتاجات الغربية غنية ومهمة ورفدت التجربة الثقافية والفكرية والاجتماعية والخ من المعارف والعلوم بكل ما فيها ، لكني أخص الأدب هنا أكثر من غيره ، أدبنا بكل أشكاله ، وهو ينحسر أمام العالم انحسارا مهينا حتى على المستوى المحلي ايضا . بسبب الهالة الكبيرة التي تحيط النتاجات الغربية لا بسبب كونها مهمة على طول الطريق ، حيث انها متأرجحة ومتفاوتة ، وليست متفوقة دائما كما يُصور للبعض . لكن هكذا شاءت الظروف السياسية أولا والثقافية ثانيا أن تضع مجتمعاتنا في منطقة المستهلك . ومن يروج لها على أسس ربحية ثالثا .
و أصبحت فرصة الأديب في نيل « العالمية « هي عبر الجوائز التي يُختلف في معاييرها ، حتى يتعرض الكتاب لطبعات وترجمات مختلفة تغطي معظم دول العالم ، على الرغم من ان هذا الامر للوقت الحالي ينطبق على الروايات غالبا .
وهذا أيضا بسبب اننا نعاني من نقص الحراك الترجمي « من ، والى « وبالعكس ، إذ ليس من المنصف ان تنال بعض النتاجات الأدبية على سبيل المصادفة أو المسابقة حظا أوفرَ من نتاجات أخرى ربما تستحق ان تصنف عالمية وتنال حصتها من القراء غير المحليين .
وهذا يحيل الى مشكلة أخرى ايضا ، حيث أصبح الكتّاب يتجهون الى نوافذ الضوء ، الى المسابقات غالبا ، وهذه المسابقات ذات المعايير المُختلف عليها ، أدت الى ظهور نوع جديد من النتاجات الادبية ، ربما يمكن ان نسميه « أدب الجوائز « التي تكتب وفق محددات ابداعية تراها المسابقات لا ما يراه الابداع بشكله المطلق في الغالب .
وقد يتساءل البعض عن الحلول اللازمة لهذه المشكلات والظواهر ، لكن من الواضح جدا ان ذكر هذه المشكلات وادراكها يحمل في طياته ملامح للخروج من هذه القيود، على الرغم من انها تحتاج الى وقت طويل.