سلام مكي
كاتب عراقي
الفساد، بوصفه ثاني أخطر ظاهرة بعد الارهاب، في عراق ما بعد التغيير، يحتاج الى حزمة قوانين، رادعة، قادرة على مواجهته بشكل يناسب سطوته على مؤسسات الدولة. لهذا، تم تشريع قانون لاستحداث هيئة النزاهة، ومكاتب المفتشين العموميين في الوزارات، وديوان الرقابة المالية، وجلب شركات متخصصة في مكافحة الفساد.
كل تلك المؤسسات، والقوانين التي تدعم وجودها، الا ان الفساد مازال على حاله، يستنزف المال العام، ويسهم بخلق فجوة كبيرة بين فئات المجتمع. الأجهزة الرقابية كالنزاهة وغيرها، تؤدي دورا كبيرا في الحفاظ على المال العام، وعرقلة مشاريع الفساد، بما تملكه من سلطات قانونية وصلاحيات محددة وفقا لقانونها والقوانين ذات الصلة. لكن ثمة الكثير من المؤاخذات على آليات محاسبة الموظفين ومعاقبتهم وإحالتهم الى المحاكم المختصة من قبل المفتش العام في الوزارات. اذ تشكل لجان تحقيقية من قبل المفتش العام، الذي يقوم بالتحقيق في القضية المطروحة أمامه. وحين يجد ضررا بالمال العام، فيوصي بإحالة الموظف الى المحاكم المختصة. علما ان الموظف ينتسب الى جهة لها شخصية معنوية مستقلة عن شخصية المفتش العام. بعدها تتولى هيئة النزاهة التحقيق في القضية ثم تحيلها الى محكمة التحقيق المختصة بقضايا النزاهة.
هذه العملية تتم، عن طريق ثلاث جهات كل واحدة تتبع مرجعا اداريا مختلفا عن الآخر، علما ان دائرة الموظف المحال لا رأي لها في الاحالة الا ما ندر. هذه العملية التي تشترك بها اكثر من ثلاث جهات، لا تؤدي الى الاسهام بمكافحة الفساد، بل تسهم بخلق حالة من الفوضى الادارية وعدم القدرة على مواجهة الحالات التي تستحق مواجهتها. وتؤدي الى اشغال القضاء بقضايا غير مهمة ولا تشكل خطرا على المال العام. نتيجة لاختلاف الرؤى والقوانين التي تحكم تلك الجهات. فكثيرا ما نسمع احالة عدد من الموظفين الى المحاكم المختصة واغلب تلك الاحالات تنتهي الى غلق القضية بسبب قناعة القضاء بعدم وجود هدر بالمال العام. في حين، يمكن ان نتخلص من هذا الارباك، عن طريق اختزال الجهات التي تتولى التحقيق والاحالة في قضايا الفساد الى جهة واحدة وهي القضاء.
القضاء لابد ان يكون المسؤول الأول والأخير عن اي جهد لمكافحة الفساد والتحقيق مع الموظف. وهذا لا يحتاج الى تدخل تشريعي، فهناك قانون الادعاء العام النافذ، الذي يمنح جهاز الادعاء العام وهو جزء اساس من السلطة القضائية مهام جسيمة وسلطات واسعة للتحقيق في اية قضية فساد او شبهات بخرق القانون او التعليمات. ان الضغط على القضاء عبر احالة موظفين الى المحاكم من دون التقيد بإعمام مجلس القضاء الذي اشار الى ضرورة ان يرفق مع محضر التحقيق المتضمن احالة موظف الى المحاكم الادلة التي تؤكد وجود خرق في القانون، لا يخدم مكافحة الفساد، بل يسهم بخلق ارباك للعمل القضائي. لذا، لابد من وجود سلطة واحدة تتولى مسؤولية تطبيق قوانين النزاهة بدلا من ثلاث سلطات.
من يطبق قوانين النزاهة؟
التعليقات مغلقة