الديمقراطية و»الدولة القوية»

(1)
ثمة في الدعاية الانتخابية المبكرة شعار اقامة الدولة القوية، ثم يجري الخلط (غير البريء) بين الدولة والحكومة لينكشف لنا ان الدعوة تروج الى شعار دعائي انتخابي مُسبق الاعداد هو إقامة حكومة قوية، ثم، نتهجأ في ما بين السطور ان هذه الحكومة تنحى الى المركزية الصارمة، ثم اخيراً، نتعرف الى تشكيك في جدوى الدولة الاتحادية والحكومة الاتحادية، وكأنهما السبب في الفوضى والفساد وانتشار الارهاب والجريمة، وهذا بيت القصيد كما يقال.
وليس هنا مكان الحديث عن مآل دولة صدام «القوية» ولا مآل غيرها من الدول المعروفة بالقوة والجبروت، وبعيدا عن تدقيق مدى سلامة النية من وراء الدعوة (الآن) الى حكومة قوية وعلاقة ذلك بالحملة الانتخابية المبكرة، فان الجدل في جوهره، ومنذ سنوات، يتركز على جدوى الديمقراطية عبر الانتقال من الدولة المركزية الى اللامركزية (الاتحادية) بل ان الكثير من المعنيين يتحدثون عن دولة مركزية قوية كوصفة للمرحلة المقبلة، وكأن الدولة الاتحادية هي نقيض قوة الحكم وسبب الفوضى والفساد، او هي عقبة امام الدولة القوية المهيبة الجانب.
من زاوية يبدو ان المغدور في هذه المجادلات هو الديمقراطية التي هي اقرب الى النظام اللامركزي، علماً بأن مفهوم الديمقراطية، قدر ما هو واسع سعة التطبيقات التي يشار لها منذ تجربة اثينا في القرن الخامس قبل الميلاد حتى الان لا يبتعد في مضمونه الفلسفي والتطبيقي معاً، عن معنى ترشيد الحكم ليصبح «حكم الشعب لنفسه» بعيدا عن القوة والاكراه والتفويض الثيوقراطي، ويتم هذا في صوره المبسطة عبر اشكال معينة من ممارسة حق اختيار الحاكم، وقد تطورت هذه الاشكال على مدى سبعة الاف سنة واستقرت، تحت تأثير الثورة الفرنسية الرائدة، على التجارب الانتخابية التنافسية البرلمانية الحرة لإقامة الحكومات اللامركزية، وهذا يفسر حقيقة ان خيار الديمقراطية غدا قريباً من افئدة واشواق الملايين التي اتضح انها مستعدة لخوض معارك ضارية ودامية من اجل الفوز بالديمقراطية التي سرعان ما اتحّدت، في اكثر من معركة تاريخية، بالكفاح من اجل احترام حقوق القوميات واتحادها الاختياري.
****************
ديغول:
“أحترم من يقاومونني، لكني لا استطيع احتمالهم”.
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة