الإمتاع والمؤانسة
خضير الزيدي
الكتاب الصادر أخيرا عن دار الأمل في سوريا والموسوم بستراتيجيات القراءة السردية في التراث العربي لمؤلفه الدكتورة أوراد محمد كاظم والذي اعتمد على كتاب الإمتاع والمؤانسة لأبي حيان التوحيدي أعاد لنا هذا الكتاب قراءة أبي حيان وكتابه المعروف من زوايا عدة اعتمدتها الباحثة كمدخل مهم فيما يتعلق بالخبر والمرويات الحكائية فلقد جاء في مقدمة كتابها بان رصد مضمون السرديات الحكائية يستدعي الاستعانة بالية منهجية وهذا ما حدا بالمؤلفة من الاعتماد على منهجية معينة اتخذتها للتركيز على تحليل آليات الخبر..في التمهيد الأول لمتن الكتاب تطرح أوراد محمد مداخل تراها مهمة من حيث الاعتماد على القراءة والقارئ منها ما اتخذ على أساس المنظور العربي والمنظور الغربي إضافة لمدخلها الثالث التي ركزت فيه على سرديات القراءة وجماليات التجاوب وفي هذا الموضوع تتوقف المؤلفة عند شكل النص وما يتصل به من مفهوم القارئ وتشير هنا إلى ما سمي بالمؤلف الضمني والقارئ الضمني مستشيرة بطروحات امبرتو ايكو ..تأتي أهمية الفصل الأول من الكتاب متعددة الجواني لما اعتمد فيه من تضمينات ومداخل وأسس تمت قراءتها من مثل تجليات القراءة في البنية العاملية والمدخل الآخر الذي تم التركيز فيه على البنية العاملية رؤية تعاقبية تشير في القسم الخاص في هذا القسم إلى مفهوم الغرض وما نتج من دراسات قيمة اتخذت من دراسات توماشفسكي اعتمادا لها إضافة للبحوث الشكلانية التي تطورت على يد البنيويين وفي هذا القسم تطرح الباحثة تساؤلها المهم عن فاعلية ودور الشخصيات وتحليل بنية الحكي في الخرافة والصعوبة التي تكمن في إمكانية وتحديد العناصر الأساسية الفاعلة وعلى هذا الأساس تجد المؤلفة أهمية تذكر حينما تحدد للقارئ الوظيفة إذ ترى فيها تشكل معطى أساسيا في كل حكاية وبأنها أي الوظيفة هنا تتسم بالمرونة إضافة لخضوعها لقانون التسلسل المنطقي وهناك أمر آخر يتعلق بها وهو خضوعها أيضا إلى نمط واحدة لاعتمادها البنيوي أما توقف الباحثة عند مفهوم المنظور فقد رأت فيه والاعتقاد مبنيا على نظرية القراءة بأنه يرتبط بذات مدركة تتحفز على وفق إدراكها وإشارتها تقودنا إلى فهم التراكيب والموضوع وعند التوقف والتذكير بمواضيع الفصل الثاني من كتاب ستراتيجيات القراءة السردية فنجد موضوعة مهمة اعتمدها المؤلفة على أساس الترتيب الزمني والتواتر الزمني وهي تجليات القراءة في الزمن الحكائي والتي أشارت فيه إلى الزمن كونه وحدة منطقية تتدخل لضبط ظواهر الوجود وعند الإشارة لأهمية هذا الفصل نجد من الضروري التأكيد على أهمية انضواء الزمن إلى وحدة حكائية أساسية فمفهوم الحكي له خصوصية مستوحاة من عدة اعتبارات تذكر لنا المؤلفة واحدة من بينها كونه جنسا شاملا اتسع لكل التفاصيل وتذهب في هذا الجانب للتذكير بما اقترحه بول ريكور من تأثير الأطر اللسانية التي يتمفصل على أساسها اعتماد الحكي ..وعند المتابعة للفصل الثالث من هذا الكتاب نكتشف أن المؤلفة تطرق إلى مواضيع لم تخرج فيها عن السياق النظري لمنهجها المتبع في الكتاب إذ تم لها التطرق إلى تجليات القراءة في الفضاء الحكائي من خلال تقديم نظري جاء فيه بان محاولات الإنسان في محاكاة الفضاء ونمذجته نابعة من الاختلاف القائم بين الإنسان والفضاء لهذا ترى بان تفاعل المرء مع الفضاء يعد احد الاشتراطات اللازمة لتعزيز البعد الجمالي في الحكي ومن معالجاتها النظرية التي جاءت في متن الفصل الثالث من كتابها نتابع موضوعة الفضاء الحكائي تبئيرا روائيا وتشير فيه إلى أن الفن الحكائي ولا سيما الرواية قد تلمس جمالية الائتلاف بين الشخصية والفضاء.
شواخص العمود
علي محمود خضير
يكتب قصيدة المشهد..
علي حسن الفواز
يدرك الشاعر علي محمود خضير أنّ لعبة الشعر مغامرة، وأنّ استغراقه فيها يعني اصراره على مواجهة شروطها عبر اللغة، إذ يتكئ على فضاء من الاستعارات التي تصنع المشهد الشعري، مثلما يسعى- عبر شرطها الدلالي- الى تلمّس ما يتخفى من التفاصيل، فهو يهجس بها عبر رؤية غير حيادية، ينتخب التقاطاتها، زوايا النظر التي تخصّه، حتى تبدو القصائد وكأنها مرايا، تتسع لمرآى أناه المنطوية، القلقة، ولحدوسه المشغولة بالمراقبة، والبحث عن المُضمر والغائب وغير الآمن في المكان واللغة..
في كتابه الشعري الجديد(سليل الغيمة) الصادر عن منشورات باصورا/ البصرة يواصل الشاعر هذه اللعبة/ المناورة، يتقصى من خلالها سرائر العالم، المكان، السيرة، إذ تأخذه بواعث الكتابة الى التأمل والمراقبة والحذر، فبقدر ما يكتب علي محمود خضير نصه الشخصي، النافر عن النمط، والخالي من التهويمات، فإنه يقارب أيضا، وعبر مايشبه كتابة الخبرة فكرة القصيدة المشهدية، حيث تبدو الكتابة فيها وكأنها حكايات مسكونة بتمثلات وجودية، يحضر فيها الشاعر بوصفه الباحث عن المعنى، والمشغول بشعرنة التفاصيل، والإيهام بإحالة العالم/ الوجود الى ماتحتمله اللغة، بوصفها الرؤيا المتاحة، والوحيدة للعالم، إزاء ما يعيشه من غياب أو احتمال للحضور خارجها.
الكرسي الفارغ احتمال
والمحبة- سرَّ المحبين- احتمال
والمساء احتمال فسيح
لن أحزن الساعة،
سأتذكّر
أنْ لاشيءَ أملكه في الحقيقة
غير هذي الملابس
والكتب
والخطاطات..
عتبة العنوان( سليل الغيمة) هي شفرة مركزية للكتاب الشعري، فهي تُحيل الى هاجس التعالي، ليس للدلالة الشعورية المباشرة، بل الى ما تفترضه (الغيمة) من استعارة تستدعي سيمياء الري، والاشباع والعلو، والى ما يمكن أنْ يتوافر عليه الشاعر من طاقة تفترض فكرة المراقبة والاستدعاء، وجرأة في التعرّف على ما يجري، فالتفاصيل في الحياة، وفي الحرب، وعند الخيبات لا تبدو إلّا بوصفها تمثلات لغوية، أو (مشاهد لغوية) وهو ما يدرك خطورته الشاعر، حيث يلجأ الى ما يُبرر ذلك، لتكون الجملة الإسمية، هي الأكثر تعبيرا عن الجملة المشهدية، ويجد في نثريتها مجالا مفتوحا لحرية الرؤيا والمراقبة، وبقدر ما تكون هذه الجملة مُشفّرة، لكنها موحية أيضا، وباعثة على التتبع، إذ تضعنا أمام لعبة باهرة في البحث عن(الاكتمال) حيث شغف الرؤيا، وهاجس المخادعة، ولعبة البحث عن المعنى..
مهارة الشاعر علي محمود خضير في صياغته الشعرية، ودأبه على الاختزال، والعناية بالتصوير، تعكس تحولا مهما في تجربته، وفي النظر الى الأشياء الرامزة التي يتشكل منها مشهده الشعري، فهو ليس معنيا بالغناء ولا حتى بالاستعارة الفائقة، قدر عنايته باليومي، والمعيش، والقلق الوجودي، وهذا مايُعطي لقصيدته خصوصية بين أقرانه(الشباب) فهي أكثر انحياز لتوصيف قصيدة المشهد) تلك، والتي تستدرج الشاعر لالتقاط المزيد من التفاصيل، واستحضار ماهو حسي أو حميم عبر ما يتبدى في المشهد من علاقات وصفية أو دلالية، أو حتى تأويلية…
قصيدة المشهد التي يكتبها علي محمود خضير تُحيلنا- من جانب آخر- الى المدينة، والى الحكاية التي تخصّ كائن المدينة، المهووس بالمراقبة، والخوف والبحث عن الملموس، والعياني، وبوصفه الشاهد الوحيد على ما يتبدى من صور الحضور والفقد اللذين تصنعهما المدينة، بكل ما يصطخب بها من قلق وجودي، وما تهجس به من تحولات عميقة، وبكل ما ينعكس من خلالها على جسد الكتابة، وعلى ملامح الأشياء المُهددة بالمحو، وحتى على وجود الشاعر القلق، بوصفه الرائي والرافض والمنطوي، والذي لا يستعيد المدينة وذاكرتها وحكاياتها المُرّة، إلّا عبر لعبة اللغة في منظارها، وفي استعاراتها..