عادل عبد المهدي
وزير النفط السابق.
تلعب الدوائر القانونية لمجلس النواب ورئاسة الوزراء والوزارات والمؤسسات الرقابية وشورى الدولة والمحكمة الاتحادية والسلطات القضائية وقرارات وتعليمات السلطات التنفيذية وبقية المؤسسات غير المرتبطة بوزارة والمحافظات، الخ دوراً رئيساً في نهضة البلاد او عرقلتها. ومن متابعة الامور، ومعايشة العمل في دوائر الدولة يمكن القول ان المنحى العام هو التشدد والممانعة مما يعرقل الاعمال ويبطىء من سياقاتها بغير وجه حق وخلافاً للمصلحة العامة والخاصة في احيان كثيرة. وهذا الأمر يحتاج لمراجعة شجاعة وعميقة وجادة.
1- ليست المشكلة في قدم القوانين، بل عدم مواكبة كثير منها لتطورات العصر والاوضاع، او انها تعكس فلسفة واهداف عهود وانظمة تختلف عن فلسفة واهداف المباني الدستورية والحقائق الجارية، ومفاهيم العصر والتطور. كما ان بعض التشريعات والتعليمات الحالية –للاسف الشديد- تستلهم فلسفة الفرد وقناعاته او المجموعة الوزارية او البرلمانية وليس المبادىء المعاصرة او مبادىء البابين الاول والثاني للدستور. مما يضعها في تناقضات وتغيرات مستمرة مع فلسفة افراد ومجاميع اخرى، وهكذا تدور البلاد في حلقة مفرغة من السياقات والسياقات المضادة.
2- يتفق الجميع ان هناك ازدواجية وفوضى في القوانين والتشريعات والتعليمات.. وهناك تضخم كمي وتناقض واضح في النصوص. ويذكر القانوني الاستاذ جمال الاسدي «ان عدد التشريعات القانونية زاد على (27،543) تشريعاً، اي ما يعادل (194،632) مادة قانونية موزعة بين جريدة الوقائع العراقية من تاريخ صدورها (1917) الى (نيسان 2011) اي (72000) صفحة، مع استبعاد التشريعات القانونية ذات الطابع الفردي والشخصي، كتعيين الموظفين وتحديد رواتبهم وانهاء خدماتهم، مهما كان مصدرها سواء اكانت مراسيم او قرارات او بيانات». ويقول انه باضافة التشريعات (2011-2016) يضرب العراق رقماً قياسياً بعدد القوانين والمواد القانونية النافذة، المملوءة بالتناقضات، التي تسمح للحكم مرة بالاستناد لنص، ومرة لما يناقضه. وهذا تعارض شديد يلغي وحدة المرجعية التشريعية والدستورية، ويجدد دورة الظلم والتعسف واستلاب الحقوق.
3 – النقطتان السابقتان تتعلقان بالجانب الموضوعي.. اما الجانب الذاتي فان العائق الاهم في رأينا هو «الخوف غير المبرر» الذي يحكم الاشخاص والقوى والمجتمع عموماً. والسبب في ذلك عوامل تاريخية لتعسف الانظمة واستبدادية الرأي وقسوة العقوبات والاتهامات. فالدوائر القانونية تضم موظفين تتبع غالبيتهم اعلى درجات الحيطة والحذر. فهم عادة يهملون الاجازة ونقاط السماح الكثيرة، ويشددون فقط على نقاط الاحتياط والحالات الخاصة. وان تشريعات وقوانين وتعليمات تغالي في المنع والاشتراطات تقود للاستنتاج، بان مجتمعاً يغالي –عموماً- في مخاوفه كمجتمعنا، ودولة تغالي معظم قواها ورجال خدمتها في مخاوفهم، محكوم عليه وعليها بالعجز والجمود وعدم القدرة على مواكبة التطورات. لذلك نرى ان الوجهة الرئيسة للمشورة القانونية تأتي في اغلب الاحيان باتجاه المنع والعرقلة، وليس باتجاه الاجازة والتشجيع والمبادرة والانطلاق والتقدم. وذلك يتضمن حتى القوانين والتعليمات التي وضعت اساساً لتشجيع المبادرات وتوسيع مجال النشاطات، وهو ما يفقد الثقة بتشريعاتنا ومنظوماتنا ومؤسساتنا ككل.
4- «الخوف غير المبرر» والسلبي والمغالي، يختلف عن الخوف الايجابي بمعناه الفلسفي والوظيفي الذي قد يكون في النهاية عاملاً محركاً وليس سلبياً.. وعامل تحفيز وليس تثبيطاً.. فالخوف من عاقبة الاخرة يدعو للايمان والعمل الصالح.. والخوف من الجوع والعوز يدعو للعمل والانتاج.. والخوف من المرض يدعو للوقاية والعلاج. اما الخوف السلبي وغير المبرر فيقود للانكفاء والعجز وسلب الارادة وتحوله الى «فوبيا» وعنصر مدمر ووباء خطير.
لابد من مواجهة هذا الوضع بتصفية التشريعات والقوانين والتعليمات والمفاهيم والاساليب والقواعد باتجاه تجديدها وعصرنتها وتوحيدها لتأتي متماهية ومنسجمة مع الدستور ومع الفلسفة العامة التي يدعي المجتمع والدولة تبنيهما.. ولابد ثانياً من تشجيع المشرعين والقانونيين الاستناد لنصوص السماح والتشجيع وعدم المغالاة في عرقلتها بنصوص موضوعة اساساً لحالات خاصة او للاحتياط والاطمئنان. فالمجتمع والدولة كالعربة لن يصلا لاهدافهما ان لم ينطلقا. والاساس في العربة والهدف منها الانطلاق لتصل الى مقاصدها.. وان حركتها وتقدمها يعتمدان على دواسة السرعة، وان الكوابح هي للتوقف وتخفيف السرعة عند الحاجة، ليس الا.
دور الدوائر القانونية في التقدم او العرقلة
التعليقات مغلقة