في إطار متابعة تحولات السياسة الروسية أصدرت مؤسسة «فابر» كتابا ضمن مكتبتها السياسية خلال العام 2015 بعنوان «لا شىء حقيقيا، وكل شىء ممكن.. رحلة فى طريق روسيا المعاصرة» للكاتب «بيتر بومرنستيف،
ويلاحظ الكاتب انه في الغرب بدأوا يسمون روسيا بـ «روسيا بوتين» حيث بات بوتين يلعب أدوارًا مؤثرة على الساحتين الإقليمية فى محيط وسط آسيا ومنطقتى البلطيق والبحر الأسود، كما حدث فى أوكرانيا العام قبل الماضى ومنع انفصالها بالقوة وتحديه لكل القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة فيما يراه البعض محاولة لأن يعيد للأذهان صورة الاتحاد السوفيتى القديمة، وحتى القيصرية، ويحاول أن يذكر الجميع أن أوكرانيا كانت يوما من الأيام جزءا من هذه المملكة أو الدولة العتيقة.
ولم يكتف بوتين بدوره الإقليمى بل امتد ليشمل أقاليم أخرى وأهمها الشرق الأوسط الذى أصبح ساحة ومعتركا لكل القوى العالمية، تتراهن وتتسابق من أجل الفوز بتواجدها هناك. ولم ينته الأمر بالتواجد السياسى بل العسكرى كما نلمس فى سوريا، وبعض المؤشرات تلوح بعدم اكتفاء الرئيس الروسى بوتين بالطلعات الجوية لمحاربة تنظيم داعش وباق التنظيمات المسلحة المعادية لنظام الرئيس السورى بشار الأسد، بل يتوقع المتخصصون بناء على تصريحات بوتين أنه سيستعين بالقوى العسكرية البرية على الأرض السورية خلال العام الحالى 2016.
واضاف ان اسم دولة روسيا واسم رئيسها الحالي فلاديمير بوتين باتا ملتصقين ولا ينفصلان فروسيا تساوى بوتين. وشبه الكاتب روسيا بوتين برواية أدبية تحتاج لأسلوب جديد فى التعامل مع كل فصل جديد من هذه الرواية أو القصة، أى أن أسلوب إدارة الشؤون الروسية يحتاج إلى تجديد مع كل مرحلة.
تتركز فكرة الكتاب حول أن سياسة روسيا الأن وأسلوب إدارة الرئيس فلاديمير بوتين لها يحمل كل المتناقضات فى آن واحد، فيقول الكاتب «بيتر بومرنستيف» فى مقدمة كتابه، إن روسيا هى المكان الذى «لا تجد فيه شيئا حقيقيا، كل شىء متاح» ثم يعود للربط بين روسيا وبوتين ويقول «ستجد اللا معلومة مع الحقيقة.. الاثنان يتساويان وموجودان فى الوقت نفسه معا»
يتساءل الكاتب في افتتاحية كتابه أنه حتى وهو يكتب عن تجربة روسيا فى القرن الواحد والعشرين، إلا أنه فى غاية الحيرة لأن النشاط اليومى لرئيسها فلاديمير بوتين وأسلوب إدارته لشئونها يحمل جميع الأشكال والألوان للأنظمة والعهود السياسية على مدار اليوم الواحد، ففى الصباح ومطلع اليوم يمكن أن تراه الديكتاتور صاحب السلطة المطلقة. وفى الغداء تجده على النقيض فى أدائه حيث ستقابل الحاكم الديمقراطى والمتفتح الذى يقبل كل الآراء، وفى العشاء يمكن لك أن تجد نفسك تجلس مع أحد ملوك وأباطرة المملكة الروسية القديمة. ومع دخول الليل ستجد النقيض تماما فى حالة الفوضى السائدة! وتكشف هذه المقدمة أن المؤلف من خلال مادة كتابه يبدو متحيرا بشأن شخصية الرئيس بوتين ودوره في توجهات السياسة الروسية.
اعتمد الكاتب «بيتر بومرنستيف» على أسلوب الصحافة الاستقصائية فى تجميع المعلومات اللازمة لكتابه، والتى تنوعت بين مختلف المصادر من الصحف والتحليلات لمواقف الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، إلا أن الكاتب بما أنه أحد منتجى برامج ومواد إعلامية فى التليفزيون الروسى، لم ينس التكتيكات وأساليب التأثير الإعلامى التى يتبعها صناع الإعلام والإعلان في أثناء إعدادهم للمادة المقدمة للتأثير على المشاهد فى اتجاه معين، مما تعين عليه التزامه بالصدق والحيادية في أثناء كتابته للكتاب.
يعترف الكاتب أنه اعتمد فى الكتابة على الأسلوب الأدبى الذى يجذب القارئ ويأخذه للتحليق فى أفاق الخيال أكثر منه فى السياسة والشؤون الدولية، حتى يصل لمرحلة «إدمان الكتاب أو الرواية» على حد تعبيره، فلا يستطيع تركها من يديه حتى ينتهى من قراءتها. يقول الكاتب إنه حاول على مدار فصول كتابه أن يتخلص من رؤيته المثالية أو ما يجب أن تكون عليه الأمور، وذلك بحكم مهنته كصحفى ومنتج إعلامى.
قارن الكاتب بين روسيا فى حقبة التسعينيات من القرن الماضى التى شهدت عمليات خصخصة القطاع العام والمصانع الروسية العملاقة، فى عهد الرئيس الأسبق بوريس يلتسين وتناول الكاتب حالات الفساد التى لحقت بالخصخصة والتى استولى فيها حفنة من الأشخاص على ثروات البلاد وأصبحوا يمثلون مراكز قوى، إلى ان ساقهم القدر إلى المحاكم، وضرب «بيتر بومرنستيف» مثلا بإحدى المحاكمات لأحد رموز الفساد الروسي فى لندن «بيريسوفسكى». ويصور الكاتب روسيا فى ذلك الوقت فى أسلوب أدبى، حيث يرى موسكو العاصمة المدينة الضبابية المهزومة فى طرف قارة أوروبا، تحمل فى شوارعها معالم بقايا العهود الزاخرة القديمة من القيصرية الباهرة.
صحوة روسيا.. أم عودة القيصرية؟
التعليقات مغلقة