الجريمة كنزعة

في قصة لهمنغواي عنوانها (المهربون) يصطاد الذئب أيلاً ثم يتسلى بافتراسه بهدوء وكأنه لا يريد إزعاح الضحية الميتة، ففي صفحة واحدة من الوقائع نتعرف على سقوط الحيوان في غريزة متضاربة تجمع بين الوحشية والرحمة، واظن ان بعض القراء يعبرون هذه الصفحة متعجلين مخافة ان يلوث وجدانهم سوء سلوك دابة إزاء نظير لها لا حول له ولا قوة، وفي( موسوعات عالم الغابة) لجيرمي لوك ثمة وقائع غريبة عن اختلال النظام الاخلاقي للغابة حين تتعرض الى غزو جنس فتاك من الوحوش المنفلتة، كانت تمثل بجثث الفيلة قبل ان تفترسها حتى لتصبح النمور المعروفة بالانحلال والقسوة والتمرد على قيم هذا العالم، الذي هو بلا قيم أصلا، بمنزلة سفراء للمساعي الحميدة مقارنة مع الغزاة من الوحوش.
والحال، على الرغم من ان نزعة ايذاء الغير هي احد مكونات سلوك الدواب، ومن بينها البشر البشري، غير انها تصبح مرضاً خطيراً حين تنمو في حواضن اجتماعية مساعدة ومشجعة لها، فيشب صنيعتها (الشرير) كشخص عنيد ، مندفع، سطحي، مكابر، لا تعرف الرحمة طريقاً الى قلبه، ولا يتورع عن ارتكاب ابشع الجرائم بحق الضعفاء او عابري السبيل، وتبدو هذه النزعة احياناً مثل حماقة متأصلة يصعب احتواؤها، كقول الشاعر:
لكل داءٍ دواءٌ يُستطبّ به … إلا الحماقة اعيتْ مَن يداويها.
من زاوية، يبدو ان السؤال «لماذا يقتل البشر ابناء جلدتهم برغم انهم لم يسيئوا لهم؟» ساذجًا، لأن علينا ان نعرف ان نزعة الجريمة متأصلة بالمخلوق، جنب نزعاته الاتسانية، وستتمكن هذه النزعة الشريرة منه إن لم يروضها في قلبه وإرادته. هكذا كان الامر منذ فجر الخليقة، فما الذي فعله الشقيق الطيب المسالم قابيل ليكون موضع اعتداء دموي من شقيقه هابيل؟ بل وكيف لنا ان ننسى (مقابل ذلك) ما قدمته مواكب المصلحين والشهداء والمتطوعين الذين افتدوا بحياتهم واموالهم وراحتهم من اجل الاخرين؟ ففي هذا التناقض تكمن معادلة الخير والشر. العدالة والظلم. الصح والخطأ.. الخ.
ويحذر علماء الاجتماع من نتائج سقوط الانسان في السلوك اللااجتماعي «السايكوباثية» لأن جماعات الجريمة المنظمة والتنظيمات الارهابية تجد ارضية لها بين صفوف هؤلاء، بل ان عصابات تهريب المخدرات والمافيات والشذوذ الاخلاقي تستدرجهم الى انشطتها الاجرامية، وليس من دون معنى ان تلجأ قيادات الارهابيين الى تشجيع الانتحاريين على اخذ جرعات «حشيش» قبل القيام بهجماتهم، وذلك لايصالهم الى نقطة من الحقد الاسود بحيث لا تأخذهم الرحمة بالاطفال والشيوخ والنساء.

*********
لقمان الحكيم:
« إياك وكثرة الاعتذار، فإن الكذب كثيراً ما يُخالط المعاذير».
عبدالمنعم الأعسم

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة