لسنوات طويلة نُظر لتركيا على أنها جزيرة ديمقراطية هادئة
ترجمة : سناء علي
في تقرير نشر للمحلل السياسي « بيتر هيركل « تم نشره على موقع الفورين بوليسي اشار فيه الى ان هناك خمس فوائد سوف يحصدها اعداء اردوغان بعد فوزه بمعركة الدستور اولها تساوي أردوغان والحكام العرب .» مشيراً الى ان اردوغان لسنوات طويلة نُظر لتركيا على أنها جزيرة ديمقراطية هادئة في بحر الشرق الهائج بالديكتاتوريات، فيما عدت تجربة العدالة والتنمية انمُوذجًا يجب أن يُحتذى به من قبل تيارات الإسلام السياسي.كما حفلت السنوات الأولى من الربيع العربي، بالإشارة لانموذج أردوغان بوصفه مثلًا أعلى يجمع بين المرجعية الإسلامية المعتدلة والانفتاح الليبرالي على المجتمع والعالم، ويُعد مصطلح «الانموذج التركي» هو أحد أكثر المصطلحات المتداولة في المعجم السياسي العربي , كان ذلك «الانطباع الإيجابي» عن تركيا ونظامها نقطة قوة امتلكها أردوغان في وجه خصومه، سوق الرجل لنفسه داخليًا وخارجيًا بوصفه حامل لواء الديمقراطية في مواجهة طغاة الأنظمة العربية، وطاف العالم منددًا بما عده «جرائم» ارتكبها خصومه، الأسد والسيسى على وجه التحديد، عادًا أن ما يفعله هؤلاء لا يمت للديمقراطية بصلة.»
الكاتب موضحاً « لم يطرح أردوغان نفسه وهو يدافع بحرارة عن جماعة الإخوان – مثلًا – كزعيم إسلامي، بل كان يشدد على أن موقفه لا يأتي إلا انطلاقًا من حرصه على الديمقراطية، وتألمه لانتهاكات حقوق الإنسان.ومما كان يمنح مواقف أردوغان بعض المصداقية، ويجعل تصريحاته ذات تأثير عالميًا أو شعبيًا؛ كونها تخرج ممن يُنظر إليه كأحد القادة الديمقراطيين الرائدين في المنطقة، لكن يبدو أن تلك الصورة لن تصمد طويلًا بعد الاستفتاء.صحيح أنه قد يبدو من المبالغة – حتى الآن في الأقل – وضع تركيا مع الأنظمة الشمولية العربية في سلة واحدة في نظر الكثيرين، إلا أن الأكيد كون أردوغان وحزبه لم يعد يُنظر إليهما بالإجلال ذاته في نظر البعض من قبَل جموع الجماهير العربية كما كان الأمر من قبل , كما يُمكن إذن لكارهي أردوغان بعد الاستفتاء أن يجدوا الفرصة سانحة للهجوم عليه بالخطاب ذاته الذي اعتاد هو استعماله، ليُتيح لنفسه تمرير الدستور الجديد بما حواه من توسيع لصلاحيات الرئيس، ليكون مبررًا يمكن الاستناد عليه للهجوم على أردوغان ونظامه، ونقض أحاديثه عن حقوق الإنسان والديمقراطية.»
اما الفائدة الثانية فقد بين الكاتب انه على الارجح « ربما قد تمنح تلك التعديلات الدستورية بعض الشجاعة للعديد من أنظمة المنطقة الراغبة في تعديل دساتيرها نحو مزيد من النفوذ للسلطة الرئاسية، فمصر علي سبيل المثال، تشهد أروقة السياسة فيها بين الحين والحين الآخر مطالبات بتعديل دستوري يوسع من صلاحيات الرئيس، أو بتمديد فترة الرئاسة، أو إنهاء شرط الولايتين , كما تشهد تونس مطالبات عديدة بالعودة إلى النظام الرئاسي في إدارة البلاد، بدلًا عن النظام شبه البرلماني المعمول به حاليًا، معتبرين أنه يتلاءم أكثر مع الأوضاع الانتقالية التي تتميز بعدم الاستقرار، وتحظى تلك المبادرات بمباركة الرئيس التونسي نفسه، الذي أعلن أنه «مع تعديل الدستور ومنح صلاحيات أوسع للرئيس»، وربما ستؤدي الخطوة التركية إلى مزيد من التشجيع لتلك المبادرات في مصر وتونس وغيرهما.»
كما بين الكاتب ان « أقرار التعديلات الدستورية جاء بفارق طفيف للغاية، وبنسبة 51 % فقط من الأصوات، أي أن أقل من نصف الأتراك بقليل قد صوتوا ضد التعديلات، ويلاحظ أن معسكر «لا» قد حصد التقدم في أهم مدينتين تركيتين: إسطنبول، وأنقرة، بالرغم من الحملة الإعلامية الكبيرة التي حشد لها الحزب الحاكم في البلاد كل قواه.وإذا ما تذكرنا أن تلك النسبة تقارب النسبة التي حصل عليها الحزب الحاكم في الانتخابات الأخيرة، يتبين لنا أن أردوغان والعدالة والتنمية لا يحظيان بتأييد كاسح بين الأتراك، وأن ذلك التقدم الطفيف من الهشاشة بحيث يمكن أن تنقلب المعادلة السياسية في البلاد رأسًا على عقب، إذا ما تغيرت أمزجة 1 أو 2% من المواطنين.»
موضحاً ان « إقرار التعديلات يحمل مساحات نفوذ هائلة لأردوغان وحزبه، فإنه يحمل كذلك بذور إجهاض تجربته، لنتخيل ما الذي يُمكن أن يحدث حال خسر العدالة والتنمية الأغلبية البرلمانية – مثلًا – لصالح تحالف واسع من المعارضة، أو إذا ما تمكن الشعب الجمهوري من اقتناص الفوز بانتخابات الرئاسة – وهو أمر لا يجب عده مستحيلًا بالنظر إلي الاعتبارات السابقة، وفي ظل متغيرات السياسة الدائمة – حينها، ستُصبح تلك السلطات، والتي يعدها البعض قد فصّلت خصيصًا على قياس أردوغان، قد صارت بيد خصومه، بما يحمل معه من إمكانات للانقضاض على كل مكتسبات العدالة والتنمية التي اكتسبها من سني حكمه الطويلة.»
واوضح الكاتب في تقريره ايضا ان « أردوغان لن يبقى في الحكم إلى الأبد والقادم مجهول حيث سيحكم الرجل البلاد منذ نحو 14 عامًا، ويتيح له الدستور الجديد فترتين رئاسيتين كحد أقصى، فضلًا عن الحتمية البيولوجية التي لا تتيح له – وهو الذي قد بلغ الثالثة والستين من العمر – أن يبقى في الحكم إلى الأبد.»
مبيناً ان «اثارة سؤال «ماذا بعد أردوغان؟» القلق لدى الكثير من أنصاره، لكنه كذلك قد يحمل أملًا ما لدى العديد من معارضيه وخصومه، فعبر استراتيجيته التي وصفها البعض بالرامية لإحكام السيطرة على الحزب والدولة، أطاح الرجل بالعديد من الوجوه التي تصلح لخلافته، وبقيت المناصب القيادية في الحزب والدولة محصورة بمجموعة من البيروقراطيين، تفصلهم مسافة شاسعة عن «كاريزما» أردوغان ونفوذه، الأمر الذي يعني – ما لم يعمل الحزب سريعًا على تدارك هذا الوضع – أن ثمة فراغًا كبيرًا ينتظر الحزب في مرحلة ما بعد أردوغان.»
كما أكد الكاتب ان الفائدة الاخرى التي سيتم الحصول عليها من قبل اعداء اردوغان هي « مزيد من «العزلة» المحتملة لتركيا عن الغرب, حيث لم يعد سرًا أن العديد من الأوساط السياسية والإعلامية والثقافية صارت تعادي شخص الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، فتصفه بـ«الفاشي، والديكتاتور، والمريض بحب السلطة»، وتصوره كسلطان يحلم باستعادة أمجاد «الخلافة العثمانية»، الأمر الذي صار يطلق عليه البعض «أردوغانو- فوبيا»، أي « رُهاب أردوغان» .»
* عن موقع الفورين بوليسي