حسن البطل
ينشر بالاتفاق مع صحيفة الأيام الفلسطينية
زمرة أصدقاء عادوا، حديثاً، من سياحة ـ ثقافية في مصر: شعراء وموسيقيون، أطباء وأدباء. عادوا قبل مجزرة لا مفاجأة فيها.
معظم ناس «أم الدنيا» لا يحنون إلى زمن رئاسة دامت سنة للرئيس محمد مرسي، وهو أول رئيس مدني إسلامي منذ ثورة يوليو 1952. هذا جيد. لكن يحنون إلى زمن الرئيس حسني مبارك.
هي، إذن، مفاضلة بين رئيسين عسكريين، وإن شئتم ليست مفاضلة بين حكم مدني ـ إسلامي، وبين حكم عسكري.
هل يعود السبب إلى اختلاف حال الأمن والأمان؟ أم يعود إلى تردي حال الاقتصاد، بعد تحرير سعر صرف الجنيه، ورفع دعم الدولة للسلع الأساسية؟
بعد جريمة المذبحة المنكرة في الكنيستين، أعاد الرئيس عبد الفتاح السيسي بلاده إلى حالة الطوارئ، وهي حال رافقت مصر في معظم سنوات ما بعد انقلاب يوليو 1952.
لا مقارنة بين حال طوارئ في فرنسا، بعد ضربات إرهابية، وبين حالها في مصر، لاختلافات شاسعة بين ديمقراطية فرنسا وحياة أحزابها السياسية، وانتخاباتها، وبين تأثير صراع مزمن بين حكم الجيش المصري وحركة الإخوان المسلمين وتأثيراته على ديمقراطية مصر.
هذا صراع رافق مرحلة ناصر، ثم السادات، ثم مبارك.. ولعله في ذروة له الآن. ناصر حاول تحديث مؤسسة الأزهر، بإدخال العلوم إلى مناهج هذه المؤسسة الإسلامية السنّية الرئيسة، التقليدية جداً، هذا إلى جانب قمعه لشخصيات يسارية جذرية.
هذا أعمق من ردّة فعل ناصر على محاولة اغتياله، مطلع رئاسته من جانب تنظيم الإخوان المسلمين، وبعض أجنحتهم اغتالت سلفه أنور السادات في «حادث المنصة» الشهير، ثم محاولات لاغتيال حسني مبارك، وفي حكمه المديد، انتقل الإرهاب الأصولي ضد الجيش في سيناء، وضد حركة سياحية ناشطة في بر مصر، وأحياناً ضد كنائس قبطية.
هذه المشكلة استفحلت بعد انقلاب هادئ للمؤسسة العسكرية، بقيادة السيسي، مدعومة بحركة شعبية، و»بخارطة طريق» للجيش أطاحت بحكم الإخوان لأول مرة في تاريخ مصر السياسي.
طُويت صفحة «ساحة التحرير» وتظاهراتها المليونية، واعتصاماتها، وهي التي أعطت، أكثر من تظاهرات شارع الحبيب بورقيبة، لحركة التمرد الشعبي العربية اسم «الربيع العربي».
كما هو متوقع، حتى عالمياً بعد ربيع غورباتشوف ثم يلتسين، ناهيك عن الثورة الفرنسية الكبرى، فإن وضع البلاد يتقهقر، اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.. إلى أن جاء بوتين هذا.
مفهوم، لماذا يحنّ بعض العراقيين الآن إلى صدام حسين، وفي سورية إلى حكم الرئيس حافظ الأسد، وفي فلسطين إلى حقبة عرفات، وربما يحن الأميركيون إلى حكم أوباما.
بدأت مشكلة مصر الراهنة بعد انتخاب محمد مرسي، الذي فاز على مرشح الجيش أحمد شفيق بكسور عشرية، وقيل إن قائد الجيش محمد حسين طنطاوي نقل الكسور العشرية لصالح محمد مرسي، تحت تهديد الإخوان المسلمين بتفجير الوضع!
إلى جانب قناة السويس، التي حاول السيسي توسيعها في زمن قياسي، فإن السياحة تلعب دورها الرئيسي في الاقتصاد المصري، وهي شديدة التأثر بالوضع الأمني، خاصة في تحدي الإرهابيين لحماية الجيش للأقباط وكنائسهم، بعدما صار الإرهابيون يضربون باسم «داعش» ليس في سيناء فقط، بل في مدن مصر الرئيسة.
أحد الأصدقاء الذي درس الطب في مصر، وزارها بعد انقطاع طويل، لاحظ أن «خان الخليلي» صار فقيراً بوفود السياح، وأيضاً، تغير زي النساء في مصر من «أم طرحة وجلابية» كما في وصف أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام لمصر ـ بهية، بعد هزيمة حزيران 1967. آنذاك، قالوا في الأغنية: «عقدتين والثالثة ثابتة/ وتركبي الموجة القصيّة».
لا يبدو أن مصر ستركب الموجة القصيّة قريباً، وربما ليس في زمن الرئيس العسكري الرابع، لأن مشكلة فرط زيادة السكان تتحدّى خطط التنمية، بعد أن صار المصريون يتكاثرون مليوني نسمة كل عام.
الرئيس السيسي، الذي تحدّث حتى عن «ثورة في الإسلام» لا ينجح في إقناع شيوخ الأزهر بوضع ضوابط على سهولة الزواج والطلاق، حيث تحتل مصر، وهي «دولة النهر» وأقدم دول العالم وحضاراته، المرتبة الأولى عالمياً في نسبة الطلاق التي ارتفعت من 7% إلى 40% خلال نصف قرن.
كيف صار «الطلاق أبغض الحلال في الإسلام» على هذه النسبة المخيفة من تفكك الأسرة المصرية، بينما يعدون شعب مصر أكثر الشعوب المتدينة في العالم، ويليهم الشعب الإيراني، ثم الشعب الأميركي.
إذا كان هذا العالم العربي «خيمة» فإن مصر هي عمود الخيمة، لكن هذا «الاعتراك» والتفكك في العالم العربي يجعله مثل تابوت، كما في اليمن وسورية والعراق الآن.
الفرق بين «ربيع تونس» و»ربيع مصر» أن الأولى عاشت معظم سنواتها بعد استقلالها تحت حكم مدني ـ علماني برئاسة بورقيبة، وأحزابها السياسية ناشطة، وكذلك انتخاباتها وحكوماتها الائتلافية، لكن في مصر هناك أحسن قضاء عربي بيروقراطي حكم على رئيسين بالسجن، وأخيراً أفرج عن الرئيس مبارك ربما لأنه ابن الجيش، الذي استقال تحت ضغط «ساحة التحرير»، كما استقال بن علي تحت ضغط «شارع بورقيبة» لكنه كان وفيّاً لأرض مصر، خلاف الرئيس بن علي.
هل يستطيع السيسي استعادة الأمن لمصر والمصريين؟ وهل يستطيع حل مشكلات الاقتصاد المتردّي، وإنعاش السياحة من جديد، وإصلاح مؤسسة الأزهر، وعلاج حالة فرط السكان، وتفكك الأسرة، والزيادة المخيفة في نسبة طلاق ضربت رقماً عالمياً.
هذه هي شروط مصرية، وأيضاً، هي شروط استعادة مصر مرحلة الشفاء من تداعيات «الربيع العربي»، والعودة إلى قيادة العرب.
كان مركز قيادة العالم العربي في مصر وسورية والعراق، والآن صار في دول الخليج، وهذه مشكلة أُخرى.
مصر الآن ؟
التعليقات مغلقة