سالم مشكور
مرة أخرى تستمع واشنطن إلى «نصيحة» من الرياض ، وتتباطأ عن التدخل لمساعدة العراقيين. الاولى كانت عام 1991 عندما إنتفض الجنوب والفرات الاوسط إثر الهزيمة التي لحقت بالقوات العراقية المحتلة للكويت. الانتفاضة كادت أن تخلص العراق من ذلك النظام ، فتدخلت الرياض لدى واشنطن لتفك الاخيرة حصارها عن لواء الحرس الجمهوري المدرع في الجنوب وتسمح بتحليق طائرات النظام لقمع الانتفاضة، فكانت المذبحة المروعة التي قتل فيها آلاف العراقيين فيما دفن الاف آخرون أحياء في مقابر جماعية ملأت أرض العراق.
اليوم تتدخل الرياض مرة أخرى لدى واشنطن فتستجيب الاخيرة لها في أمرين: عدم التعاون مع طهران لمعالجة الوضع في العراق، وتأجيل أي قرار بتوجيه ضربات جوية لمجموعات داعش ومناصريها بعدما احتلت مدنا عدة وبدأت بارتكاب جرائمها ضد المدنيين.
في الحالتين تتحرك السعودية بدوافع طائفية، وذات علاقة بالصراع مع إيران. وفي الحالتين يكون هذا التدخل ضد مصلحة العراقيين، ونتيجته إراقة المزيد من دماء العراقيين، الذين يسجلون لجارتهم الجنوبية موقفا عدائيا آخر ضدهم.
لا أحد يعلم حتى الان سر العلاقة الاميركية السعودية، وحرص واشنطن الدائم على إرضاء الرياض حتى لو تعارض ذلك مع التزامات الاولى ومسؤولياتها. حتى عندما اقتضت الظروف أن لا يستمع الاميركيون لنصيحة التدخل في سوريا والإطاحة بنظام الاسد، أرسلت واشنطن وزير خارجيتها الى الرياض لتوضيح الموقف الاميركي ومعالجة «الزعل» السعودي.
يتم التأكيد دوما على ان النظام السعودي حليف لواشنطن، فهل تعد واشنطن الحكومة العراقية حليفا لها؟ الجواب قاله الرئيس الاميرك بشكل غير مباشر عندما عدد في مؤتمره الصحافي مؤخرا حلفاء واشنطن الذين قد يتضررون من تمدد داعش من دون ان يذكر العراق، المتضرر الرئيس من هذا التمدد. لم يتذكر انه يتنصل من إلتزامات بلاده بتزويد العراق باسلحة ومعدات دفع ثمنها سلفا. حاول ربط أي دعم أميركي بـ»توافق عراقي – عراقي» و»مشاركة الجميع في السلطة!!»، وهي وصفة عقيمة مستقاة من الموقف السعودي والخليجي وبعض دول المنطقة المنزعجة من مشاركة الشيعة في حكم العراق. المشاركة تعني في قاموسهم هيمنة الاقلية وتبعية الاكثرية لها.
في المقابل فان الاكثرية العراقية لا يمكنها مطالبة الجانب الاميركي بدعم من دون مقابل. كيف يطالبونهم بالدعم وهم الذين أصروا على عدم إبقاء اي عسكري أميركي في العراق ، واحتفلوا بخروجهم عسكريا، برغم بقائهم سياسيا وأمنيا بشكل مكثف، ومن دون أن يكون هذا القاء داعما للوضع الامني العراقي.
لم تكن النصائح السعودية لواشنطن لتؤثر على القرار الاميركي لولا التردد العراقي في حسم شكل العلاقة وطبيعتها مع واشنطن.