علي حسن الفواز*
هل يمكن للثقافة أن تصنع ما لم تستطع السياسة أن تصنعه؟ وهل يمكن للثقافة العربية المتفرجة أن تعيد النظر بملفاتها وأجنداتها وبرامجها لتكشف حجم البؤس الذي أسقطتنا به السياسة العربية في مناطق شوهاء ولزجة من الصعب الفكاك عنها؟ وهل يمكن للمثقفين العرب الذين يسوقون يوميا أطنان المقالات في الشرق والغرب أن يقفوا ولو للحظة لتأمل ما تفعل كتاباتهم الراحلة مع الريح؟ وهل يمكن للمؤسسات الثقافية أن تمارس شيئاً من سلطتها الأخلاقية والمعرفية على مستهلكي الصناعة الثقافية؟ وهل تملك المؤسسة الثقافية القدرة لإعادة النظر بمشاريعها بعيداً عن سلطة الحكومات ومرجعياتها الظاهرة والمسكوت عنها؟
هذه الأسئلة هي الأكثر فداحة في واقعنا الثقافي العربي المفجوع، والمفتوح على حروب مضللة، وعلى أوهام كبيرة، وعلى مراث لا حد لها… إذ لاتملك البنية الثقافية أي قوة فاعلة، ولا أية شرعة حقوقية أو دستورية، ولاتملك حتى أية أغطية صيانية للحماية العمومية أو الشخصية..
المثقف في هذه اللعبة هو صانع الفرجة بوصفه لعبة للاستمناء الثقافي، إذ المهم في هذه اللعبة هو كفاية الفرجة الثقافية التي تمارسها المؤسسات الثقافية العربية، ويعيش غوايتها المثقفون العرب بامتياز، إذ فقدت تلك المؤسسات أي دور أو أية مسؤولية في المنافسة عبر التموضع داخل سلطة بحيث يمكنه التأثير والحيازة والاحتجاج..
هذه الفرجة يعاني من رهابها العراق الثقافي والعراق الحضاري بوصفه (الضحية) لحروب الآخرين من الجماعات العربية السياسية والثقافية والفقهية… ومع كل هذه القسوة العلنية، لكني لم أسمع إن أحداً من المثقفين العرب أو حتى من المؤسسات الثقافية، كتب بياناً يدين الإرهاب وفقهياته، ولا حتى الموت المجاني الحادث في العراق، سوى ما نسمعه من السفسطات التي تملأ القنوات الفضائية والصحف اليومية العربية التي لا تعبر الاّ عن زيف وهشاشة الوعي والقراءة، والتلذذ بالسايكولوجيا القهرية للفرجة، تلك التي بدأت تثير الغثيان والحزن، مثلما تعزز العزلة العربية في العراق، إذ تنشأ الأجيال الثقافية الآن خاصة الشباب منهم الذين يعيشون فوضى الحرية والتحول، وهم غير معنيين بهموم الثقافة العربية وإشكالاتها وحواراتها وأسئلتها وطبيعة صراعاتها الوجودية والثقافية، لذا ليس من حق أحد أن يطالبها فيما بعد بحقوق إضافية أو انتماءات إضافية؛ لأن التهميش والعزل الثقافي، وربما القسوة الثقافية تسهم يومياً في إنتاج الكثير من مظاهر الرعب الثقافي، والتغريب الثقافي داخل اللغة الواحدة، والأقسى منه إن البعض يتماهى مع تكرار لعبة الفرجة الثقافية..
إن المسؤولية الأخلاقية للمثقف العربي، قد لا تشبه مسؤولية السياسي العربي المنشغل من قمة رأسه إلى أخمص قدميه بالحروب والمصالح والصراعات والحسابات والصناديق، لذا بات من الأهمية بمكان أن ندعو هذا المثقف لأن يعيش رومانسية (عودة الوعي) لكي يرى ما حوله، ولكي يتلمس حجم الخراب العربي، وحجم قسوة الفرجة، ولكي يتأمل حجم المحنة التي أكلت من جرف الأمة واللغة والإنسان..