علي صابر محمد*
بعد أحدى عشرة سنة على زوال النظام الاستبدادي ومجيء نظام يقوم على امكانية المواطن في الاسهام باحداث التغيير في قيادته السياسية من خلال صناديق الاقتراع في الوقت الذي ظل لعقود أسيراً تحت سياط نظام شمولي دكتاتوري ليس بمقدور الشعب الا الرضوخ لمشيئة الحاكم الذي أعتلى سدة الحكم عن طريق الانقلابات وعلى ظهور الدبابات ، او تحمل تبعات معارضته والتعرض الى الاضطهاد والسجون او الموت ، فما نشهده اليوم من احتفاليات وكرنفالات الانتخابات شيء مفرح يعطينا الامل بامكانية نهوض المجتمع ونزع ثوب الفوضى الذي ألبس عليه عنوة ، فما حصل في 2003 من ازالة للنظام الدكتاتوري وبالآلة العسكرية الأميريكية يعد تغييراً حقيقياً للنظام اذ لم تتبدل الطبقة الحاكمة ورموزها فحسب بل أزيلت معها آليات تداول السلطة وطريقة الحكم وما أعقبها من دخول القوى السياسية والمواطن كطرف في رسم سياسة البلد وظهور الدور الفاعل والمؤثر للأعلام والصحافة في تقويم الأداء وتشخيص العلل والثغرات وهذا التغيير يعد ايجابيا لحصول نقلة نوعية في العلاقة بين الحاكم والشعب ،
كذلك في التاريخ الحديث فان ثورة 14 تموز وبأياد وطنية أحدثت تغييراً حقيقياً في المجتمع عندما نقلت المجتمع من الظلمات الى النور، وفتحت الفرص امام الطبقات الفقيرة لتشعر بطعم الحياة ، ودخلت الثورة في جميع المفاصل الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، اما ان تدعي الكتل المتنفذة اليوم والتي تربعت على كرسي السلطة والمسؤولية وبانتخابات أقل ما يقال بشأنها انها كرست للطائفية المقيتة ولأكثر من عقد انها ساعية لأحداث التغيير ولم تنتج طيلة فترة حكمها سوى الازمات المتلاحقة وتراجع الخدمات وتبديد الثروات وفقدان الامن وتزايد أعمال العنف ومن ثم تقدم للساحة السياسية الوجوه نفسها والشخوص والرؤى نفسها وفلسفة التعامل مع الآخرين وبلا برامج تمس حياة الناس فأي تغيير تعنيه ؟ وهل ان اعادة ترتيب الاصطفافات للكتل نفسها يعد تغييرا ؟
وهل انسلاخ بعض الافراد او التجمعات من كتلة وانضوائها تحت راية كتلة اخرى وفي النكهة واللون نفسه يعد تغييراً ؟ وهل توظيف اموال العراق للأغراض الانتخابية وشراء الذمم يعد تغييراً ؟ وهل الدعوة لتأسيس حكومة الاغلبية المكوناتية يعد تغييرا ؟ وهل سيقتنع الشركاء باعادة تجربة الفشل مرة اخرى ؟.
نرى من الصعوبة بمكان ان تتوطد وتزدهر الثقة بين شركاء العملية السياسية ما لم تتراجع الكتل المتنفذة عن مواقفها النفعية والطائفية المتشنجة والوقوف عند القواسم المشتركة فبعد صراع دام لدورتين انتخابيتين ولم تثمر عن توافق في الرؤى او تقارب في وجهات النظرأصبح لزاماً على الجميع احترام رأي الناخب الذي جاء بهم الى السلطة وذلك بتخفيف حدة الخطابات ومد الجسور بين الكتل بعكس ما نشاهده من غياب تام للتناغم في المواقف ودعوات متصاعدة لأقامة الاقاليم الوجه الجميل للتقسيم ،
وافتقار الطبقة السياسية للحس الوطني ، ومع قناعتنا بأن الناخب العراقي يتحمل جزءاً من مسؤولية ابقاء الوجوه نفسها في البرلمان الجديد والتي أخفقت في ادارة البلاد الا اننا نشاهد في الجانب الآخر من الصورة تنامي رفض الشارع للممارسات الخاطئة التي حصلت في الدورات السابقة وسيكون بمنزلة عنصر ضغط على الطبقة السياسية لتصحيح مسارها ، والآمال معقودة على التيار المدني صمام أمان الجماهير والعين الحارسة لمصالحه للعب دور فاعل في احداث التغيير وسيكون برغم ضعف ثقله بمنزلة معارضة ايجابية و حاجزاً صلباً أمام شراهة البعض من المتسابقين على المغانم ،
اضافة الى الطروحات البناءة والمفيدة التي سيتم ترويجها بين اعضاء البرلمان وقيادتهم نحو الخطوات الصائبة التي تخدم الوطن ، والقدرة على الاقناع التي يمتلكونها بحكم ثقافتهم السياسية العميقة وتاريخهم النضالي الطويل في مقارعة الانظمة الاستبدادية دفاعا عن آمال وتطلعات الشعب ستكون مهمة في تعديل بوصلة العملية السياسية وتوجيه الدفة نحو الاهداف السامية للعراقيين.
والسؤال الذي يطرح نفسه؛ هل تتعظ القيادات السياسية لخلق بيئة هادئة وصالحة للعيش المشترك لتسير العملية السياسية بشكل سليم ويشعر المواطن ومن كل المكونات بالأمان والشروع ببناء الوطن ،
فالاستراتيجية التي اعتمدت في الدورتين السابقتين بالتعامل مع المكونات الاخرى كانت غير موفقة في صناعة بيئة صالحة ولم تنتج الا التصدع وشرخ للعلاقة بين المكونات وتمزيق مستمر للنسيج الاجتماعي فلو صدقت القيادات الحالية بأحداث التغيير الحقيقي عليها اولا تغيير مفاهيمها الضيقة القائمة على أساس المكونات والتعامل على أساس البديل الناجح الا وهو الهوية الوطنية التي ستقودنا بالضرورة الى الترفع عن الانتماءات الثانوية فالانتماء للوطن أسمى ، والتغيير لا يعني مجرد ارتداء ثوب جديد وبألوان مغايرة وبقاء العقليات نفسها والمفاهيم هي السائدة وانما الانتقال الكلي وعلى مستوى الفكر والتطبيق من مستوى متدنٍ في التفكير الى مستوى أرفع وأرقى فهل يمكن العمل بقاعدة بلادي وان جارت علي عزيزة وقومي وان شحوا علي كرام ؟
*كاتب عراقي