حسام الشاعر
المحور الأول
افتتاحية غير مباشرة للقصيدة بمقدمة يشد فيها القارئ بتشبيهات واستعارات وصور خلابة ابتدأها ب – أنا بريء يا الله – ليشرح العنوان مخاطبا الاله عز وجل عن ذنب ارتكبه ، لكنه لا يتطرق إليه ، تشويقا للقارئ ، فيصف براءته بمفردات وجدانية عميقة تعزز وحدة الموضوع ودلالات عاطفية توحي للبراءة ك – العصفور – النهر – الموسيقا – ليلة ماطرة – كتاب – فنجان قهوة – والأم الحنونة –
كما العصفور الذي شاهد جريمة الحطاب، ففضل الهرب..
كما النهر الذي صمت عن قول الحقيقة رغم حجمه الكبير
كما الموسيقى وكوب القهوة وكتاب ألف ليلة وليلة في ليلة ماطرة
كما أمي التي تنام بمعدة فارغة وهموم الصباح وصداع أسفل الرأس
وفي الضفة الأخرى استخدم التضاد وهي – الحرب – السيف – المسرح الفارغ – النعش – الجندي لصورة مأساوية ومشاهد لا تتمنى العين أن تشاهدها.
كما الحرب،
كما الجندي المنوم بحمى الجلالات وصوت أرتطام البساطيل بالأرض
كما النعش وقصة اختفاء الجثث من الذاكرة القريبة
كما السيوف العاجزة عن النصر فتظل عالقة ذليلة في نياشين الجنرالات ..
كما المسرح الفارغ، في مسرحية لم تقدم في وقتها فغادر الجميع وتركوا التذاكر ممزقة ..
المحور الثاني
وهنا يكمن عنصر المفاجأة، يذهل بها العيون ويراقصها على أوتار عزفه لهذه السنفونية
وتأنيب للضمير حين قال – أو ربما مذنبا قليلا يا الله – ليحرك العاطفة الوجدانية ويضخ تساؤلات في مخيلة القارئ، لماذا قالها؟ و ماذا سيقول بعدها؟ وبين زحمة التساؤلات يتدلى الجواب ويسرد قصة ذنبه الذي لا يمثل ذنبا إلا بتأنيب الضمير وجلده ببراءة ناصعة البياض
فيقول – سرقت زيتونتين من شجرة الجار –
يعيد بشريط الذاكرة مستذكرا طفولته – وهل أشد براءة من الأطفال ؟ فكل فعل يفتعلونه بدون علم الأبوين يعتبرونه ذنبًا.
وأخرى يقول بصورة
وتسللت خفية ذات ليلة وشاهدت القمر دون أن أخبر أمي
لا أحد يشعر بالذنب من مشاهدة القمر إلا الذي لا ذنب له ويحمل في ذاته ملاكًا يعتبر أي فعل بمثابة خطيئة عظمى لدرجة أنه تسلل خفية ودون علمه لفعل لا يستحق كل هذا العناء ألا وهي رؤية القمر.
فيعود تارة أخرى معززا للقيم التي تربى عليها وهي احترام الجار وعدم المساس بخصوصيتهم وممتلكاتهم ورغم صفاء النية تجاه ابنة جارته في ازاحة الستار عن مشاعر إعجاب في مكنونات نفسه فيقول
وأرسلت رسالة أعجاب مليئة بالكلمات المشطوبة لابنة جارتي
ويلفت إلى ادعائه للمرض في أعذب تجسيد
لأمنياتنا كأطفال والتي كانت جل ما نتمناه أن نشتري دراجة هوائية ونعيش كسائر أطفال الحي، فلم يجد إلا ادعاء المرض والتغيب عن المدرسة ليقنع أبيه بتحقيق أمنيته فيسرد أنه :-
لقد تغيبت عن المدرسة عدة مرات
وادعيت المرض
ليشتري لي أبي دراجة هوائية
والمحور الثالث والأخير
ينتقل من سرده للذنوب إلى التضرع إلى الله والخروج من قوقعة ” الأنا ” حتى فاض شعوره بالحزن على
وطنه، وأمه، وأبيه – وصديقه الشاعر – بقوله
لست حزينا يا الله!
إلا على الرصيف
الذي كلما غسل ناصيته للعيد
مر الجنود بالبساطيل المتسخة
من دون أن يتركوا اعتذارا..
فيها صورة وطنية وفلسفية عميقة باحتلال الطغاة وطنه، وكلما استعاد الوطن شبابه دخل الأغراب وشوه تلك الصورة الجميلة التي يصفها بالرصيف المغسول والذي يتسخ ببساطيل الأغراب المتسخة.
ثم يؤكد بتكرار نفس العبارة: – لست حزينا يا الله! – بصورة مركبة في غاية الجمال والذي جمع فيها الصداقة بالشعر – فقصر حزنه على صديقه الشاعر فقال:-
إلا على صديقي الشاعر
الذي أصابه الجنون
فصار يتكئ على الشجرة
ويهذي بقصائد لشُعراء أجهلهم.
ويعزز من حزنه وشجنه وصوره الشعرية بالأم وهل أفجع من أن ترى أمك حزينة وجريحة وتعاني من أوجاع شتى ؟! بقوله:-
لست حزينا يا الله!
إلا بمقدار حزن أمي
على الجرح الذي في قلبي
ويكمل عن أبيه وأخي وشعوره بالترابط الأسري فالأم لا تكمل صورتها إلا في عائلتها
فيسرد أنه :-
رحيل أبي..
أخي جندي الحب الذي خسر قلبه
كما مشاعره الانسانية تخطت البشر لتكتمل لوحتها حينما لم ينسى شجرته العامرة والتي لم تعد تلد شوى الأشواك فعبر بحزن شديد عنها :-
شجرتنا التي لم تعد تلد سوى الشوك
المستقبل المليء بالأسئلة والظنون!
وقد تضرع إلى الله بمناجاته مستخدما ياء النداء – يا الله! –
ويدعو لأمه بسؤال مبطن ظاهره سؤال وباطنه ملء الدعاء بأن يزول ألمها ومتمنيا مجازيا وروحيا أن يصاب به بدلا عنها.
هل سيزول الألم عن رأس أمي؟
ويختتم بروح شاعرية عظيمة وبذكر شريحته وزملاءه الشعراء بختام مسك وألم راجيا الباري وبكل براءة أن لا يعاقب الشعراء على بكائهم فيختتم بـ :
يا الله!
هل سيُعاقب الشعراء
على بكائهم؟
وأخيرا: هي قصيدة متكاملة وقريبة إلى الجمهور أي عامة الناس أكثر منه إلى أهل الاختصاص، لجزالة الألفاظ، واللغة البيضاء، وسهولة الاستيعاب من قبل شرائح المجتمع المختلفة، فهي كماسة لها عدة أوجه وكل وجه يمثل شريحة ويحس بهم فكل من له روح وطنية سيجد شيئا في القصيدة، ومن له روح الصداقة، سيجد التفاتة، ومن له ترابط أسري ستعزز هذه القصيدة من الترابط لذكر الأم والأب والأخ في شتى الصور. لذا هي قصيدة متكاملة بشتى الألوان واللمسان البديعة كتبها شاعر متمكن ولا غبار عليها من العنوان إلى الختام مسك وإبداع
قصيدة ” براءة ” لـ “اشتياق موفق” قصيدة نثرية وجدانية وإنسانية
التعليقات مغلقة