جراء ازدياد الحرارة والمتغيرات البيئية
الصباح الجديد ـ متابعة:
في تركيا تتصاعد ألسنة اللهب من الغابات التي وصلت إلى اليونان المجاورة، وفي ألمانيا حيث تسبب الفيضانات بدمار كبير، والولايات المتحدة تتحضر لأعاصير مدارية في الوقت الذي تسببت فيه الحرائق في ولايات مثل كاليفورنيا بخسارات غير مسبوقة، وإلى موجات الحر التي تضرب الشرق الأوسط، تبدو الصورة قاتمة، لكن هذا ليس كل شيء.
يقول الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش إن “تقرير مجموعة العمل رقم واحد، للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ يعد بمثابة “إنذار أحمر للبشرية”.
فيما تتصدر صور الفيضانات والحرائق عناوين الصحف في كل أنحاء العالم، أصدر خبراء المناخ في للأمم المتحدة توقعاتهم الجديدة التي طال انتظارها، الاثنين، أي قبل ثلاثة أشهر من مؤتمر الأطراف السادس والعشرين (كوب 26) الحيوي لمستقبل البشرية.
“وضع خطير”
يقول الخبير الدولي في الكوارث الطبيعية وآثار تغير المناخ، بدوي رهبان، إن الوضع خطير إلى درجة أن من يولد في هذا العام على سبيل المثال، ستكون حياته مهددة بالخطر في عام 2050 بشكل أكبر بكثير من الناس الذين يعيشون الآن”.
ويضيف الخبير رهبان، وهو المدير السابق للحد من الكوارث في اليونسكو، إن “الوضع قاتم للغاية”.
يحذر التقرير الذي صدر في 42 صفحة واستند إلى 14 ألف دراسة علمية، بحسب الخبير رهبان، من أن “الأوان قد فات فعلا” لعكس التأثيرات المناخية، على الأقل في المستقبل القريب، ويقول – باختصار – إن هدف مؤتمر باريس للمناخ، بالسيطرة على الاحترار لن يتحقق، وأن العالم سيصل إلى ارتفاع في درجات الحرارة يصل إلى 1.5 مئوية فوق مستويات العصر الصناعي بحلول عام 2030 -2052 في حال استمرت معدلات الاحترار الحالية، التي تسببت بزيادة الحرارة درجة مئوية واحدة.
ويقول الخبير رهبان إن “الرسائل المهمة في التقرير هي أن الارتفاع في حرارة الكوكب ناتج بشكل أساسي من النشاط البشري، وإن هذا الارتفاع لا سابق له منذ آلاف السنين”.
ومع أن درجة مئوية واحدة ونصف الدرجة قد لا تبدو شيئا كبيرا لغير المتخصصين، إلا أن الوصول إلى هذه المعدلات سيعني، بحسب التقرير “ضياع بعض النظم البيئية”، وفقدان 6 بالمئة من الحشرات، وثمانية بالمئة من النباتات و4 بالمئة من الفقاريات، أما في حال وصل الاحترار إلى درجتين مئويتين، فستكون الخسائر مضاعفة تقريبا.
“أجراس الإنذار”
وتقول خبيرة البيئة والتلوث، ومستشارة الاتحاد الأوربي لبرنامج الأمن الغذائي والتغير المناخي، شادن دياب، إن “ هذه نقطة خطر”، مضيفة إن “أجراس الإنذار تدق الآن، وأن هذا الارتفاع سيؤدي إلى عواقب وخيمة جدا بيئيا ومناخيا وعالميا، نراها بشكل واضح الآن”.
وأضافت أن “انخفاض درجات الحرارة في أوروبا الآن، في باريس مثلا لا يوجد صيف (هذا العام) مقابل ارتفاع درجات الحرارة في مناطق أخرى مثل الوطن العربي”.
ويقول التقرير إن ارتفاع درجات الحرارة سيؤدي أيضا إلى فيضانات تهدد البشر في المناطق الساحلية، وضياع الصفائح الجليدية في غرينلاند وتأثرها في القطب الجنوبي وبتغييرات مناخية متطرفة تؤدي -بشكل شبه حتمي- إلى كوارث مثل الحرائق وموجات الحرارة الشديدة.
ويلقي التقرير اللوم بشكل لا لبس فيه على النشاطات البشرية الصناعية والزراعية بالتسبب في زيادة الاحترار العالمي عن طريق انبعاثات الغازات الدفيئة، مثل ثاني أوكسيد الكاربون المنتج في الأنشطة الصناعية، والميثان الذي تنتجه الأنشطة الزراعية ونشاطات تربية الحيوانات.
ويقول الخبير رهبان إن “ذوبان الجليد سيتسبب بانبعاث كميات إضافية من غاز الميثان، الذي يعد أصلا سببا من أسباب الاحتباس الحراري”، ما يعني أن احترار الجو بسبب النشاطات البشرية سيتفاقم، حتى لو توقفت تلك النشاطات.
وينص التقرير الذي حمل عنوان “ملخص لصانعي السياسات” على أن “من الواضح أن التأثير البشري أدى إلى زيادة حرارة الغلاف الجوي والمحيطات والأرض”. ويقول التقرير إن “احتمالية خلو المحيط القطبي الشمالي من الجليد خلال الصيف ترتفع من مرة واحدة كل 100 عام في حال ارتفعت درجة الحرارة بمقدار 1.5 درجة، إلى مرة كل 10 أعوام في حال ارتفعت إلى درجتين مئويتين”. وستتقلص الشعاب المرجانية بنسبة 70-90 في المئة في حالة ارتفاع درجات الحرارة درجة ونصف، و99 في المئة في حال ارتفاعها درجتين. باختصار، يشير التقرير بوضوح كبير إلى أن “مستقبل كوكب الأرض يعتمد، إلى حد كبير، على الخيارات التي تتخذها البشرية اليوم”.
وبشكل كبير، يلقي العلماء اللوم على اعتماد المجتمع الحديث على الوقود الأحفوري (النفط والفحم) للحصول على الطاقة إذ يتسبب هذا الاعتماد بـتدفئة العالم بوتيرة لم يسبق لها مثيل “في الأعوام الألفين الماضية”.
ويقول، شيويبين زانغ، عالم المناخ في وزارة البيئة الكندية في تورونتو، أونتاريو، والمؤلف الرئيسي المنسق للتقرير، لموقع Nature “إذا لم نتصرف، فإن الوضع سيسوء حقا بشكل كبير”.
جمع التقرير من أكثر من 200 عالم على مدى عدة سنوات، ووافقت عليه 195 حكومة خلال اجتماع افتراضي الأسبوع الماضي، وقد نشر قبل ثلاثة أشهر من انعقاد القمة العالمية المقبلة للمناخ في المملكة المتحدة.
ويقول الخبير رهبان إن “الدول الصناعية تتحمل المسؤولية الأكبر في هذا الوضع بسبب نشاطاتها الباعثة للغازات الدفيئة”، ويضيف إن هذه الدول كان يفترض أن تتمكن من خفض انبعاثاتها من تلك الغازات بعد قمة باريس للمناخ عام 2015، لكن هذا لم يحصل.
وبحسب رهبان فقد أقر الاتحاد الأوربي قبل فترة سياسة لخفض الانبعاثات من الغازات الدفيئة بمقدار 55 بالمئة حتى عام 2030 مؤكدا “هذه خطوة جيدة، لكنها غير كافية، كنا نتمنى أن يكون الخفض بمقدار 60- 66 بالمئة”.
ويضيف أن “الهند والصين مثلا تستخدمان الوقود الأحفوري والفحم بشكل كبير أيضا، ورغم أنهما اعترفتا بتأثير هذا الوقود على البيئة، لكنهما قالا إنهما غير قادرتين على الاستغناء عنه”.