الصباح الجديد ـ متابعة:
رغم أن عودة الاشتباكات في الأيام الأخيرة لمدينة درعا، جنوبي سوريا، تذكر ببداية اشتعال الحرب فيها سنة 2011، إلا أن توقعات محللين سياسيين تتجه نحو أن يُكتب في درعا نفسها نهاية هذه الحرب، خاصة مع تراجع شهية أطراف دولية لاستمرار الصراع، وتراجع القوة المسلحة للجماعات المناوئة للحكومة فيها، إضافة لفوز الرئيس السوري بولاية رابعة.
ومع الحديث عن اجتماع مرتقب بين الحكومة السورية واللجنة المركزية في درعا (الممثلة للمعارضة في المدينة) تحت رعاية روسية، يتأهب المسلحون للقتال بعد محاولة تقدم الفرقة الرابعة التابعة للجيش السوري من منطقة سجنة إلى الكازية النقطة التي تفصل بين مناطق سيطرة القوات الحكومية ومناطق درعا البلد المحاصرة، مع استمرار القصف بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون.
وفي 29 يوليو الماضي، بدأ التصعيد العسكري بين الجيش السوري والمسلحين في الريف الشرقي والمدينة والريف الغربي بعد فشل اتفاق جرى قبلها بأيام بين الحكومة والمسلحين بوساطة موسكو على تسوية لإنهاء الحصار المفروض منذ يونيو الماضي على أحياء درعا البلد التابعة للمسلحين بـ 6 بنود، من بينها تسليم الأسلحة، وتسوية وضع عدد من المسلحين، وانسحاب القوات المتمركزة في محيط المنطقة المحاصرة وتمركزهم في نقاط عسكرية في مناطق الجمرك القديم والشياح والبريد.
وتبادلت الحكومة واللجان المحلية اتهامات متبادلة بشأن اختراق الاتفاق، وبحسب مصادر محلية بدرعا، استمر قصف الجيش السوري لمناطقهم، ومطالبته لهم بتسليم كافة الأسلحة رغم خروج المسلحين المطلوبين، وفي المقابل تشير القوات الحكومية إلى انتماء بعض المسلحين إلى تنظيم داعش؛ ما يعني أن بقائهم تهديد لعودة الأمن كاملا لجنوب سوريا وعرقلة لعملية إعادة المدنيين وإعمار المدينة.
وتتمثل أهمية حي درعا البلد في موقعها بين الريف الشرقي والغربي للمحافظة، وقربها من معبر نصيب الحدودي مع الأردن والطريق الدولي المؤدي له.
سبب التصعيد
يرجع الباحث السياسي أحمد عليبة، السبب وراء التصعيد إلى اختلاف رؤى الأطراف من اتفاق التسوية الموقع في 2018، فالحكومة تعتبره خللا في موازين القوى لصالح خصومه من المسلحين واللجنة المركزية بدرعا لتواجدهم في 25 نقطة بالمحافظة.
ويوضح أن السبب الثاني يتعلق بتبرم درعا من انتخاب الرئيس بشار الأسد لولاية رابعة مايو الماضي، وهي رمز للاحتجاجات الأولى التي اندلعت ضده في مارس 2011، إضافة إلى رغبة الحكومة في السيطرة الكاملة على البلاد بدعم من حلفائها (إيران وميليشيا حزب الله) بإتباعهم سياسة قضم الأرض في فرض حصار على مناطق سيطرة الأكراد وبناء قنصلية إيرانية في حلب.
“عدم توافق” سوري روسي
ويبدو أن الموقفين السوري والروسي بشأن درعا غير متشابهين هذه المرة، وتلعب روسيا دور الوسيط منذ البداية في المفاوضات عبر ضابط روسي يعرف باسم “أسد الله” قدم مطالب الحكومة بنقل 5 مسلحين لمناطق الشمال السوري وتسليم الأسلحة الفردية الخفيفة.
ويشير عليبة إلى أن دمشق وضعت الروس في “وقف حرج” بأخذ خطوة استباقية وتكليف الجيش بسحب الأسلحة وإخراج المسلحين؛ ما أدى لتأجيج القتال من جديد. ويظهر ذلك في أن مركز المصالحة الروسي لم يصدر بيانا رسميا بشأن تطورات الأحداث مع توقف المفاوضات، لا سيما وأن موسكو تضع موازين القوى الدولية والإقليمية في حسابات التفاوض وليس فقط الحكومة السورية، وفق عليبة.
وتحدثت مصادر محلية عن وجود مشاورات لإيقاف إطلاق النار مع مواصلة الجيش السوري إرسال تعزيزات عسكرية للقتال.
نهاية الأزمة
يتوقع الخبير الاستراتيجي العميد سمير راغب أن تصبح اشتباكات درعا نقطة حاسمة لصالح الجيش السوري، ونهاية للصراع، كما كانت ذات المدينة بدايته منذ 10 سنوات؛ نظرا لأن فكرة إسقاط الأنظمة بالسلاح لم تفلح مع عودة الجيش لقوته السابقة بمساندة روسية، واستحواذه على مساحة كبيرة من البلاد.
وعن سبب التصعيد الآن، يشير في حديثه “ إلى أن دمشق تلجأ للاشتباك للضغط على اللجنة المركزية والمسلحين لقبول مطالبها، وفي المقابل يرفضها المسلحون لأنهم يرون أن عودة الحكومة تعرضهم للسجن؛ ما يحتم على الحكومة وضع إجراءات اجتماعية وسياسية بجانب الإجراءات الأمنية لإرسال طمأنة بإعادة دمجهم في المجتمع، وإنهاء عملية رفع الأسلحة.
التهدئة قادمة
ولا تذهب توقعات أحمد عليبة بعيدا عن ذلك، فيقول إنه “إذا لم تتوقف الاشتباكات من جانب اللجان المركزية، وهو السيناريو الأقرب، فستلجأ روسيا إلى شن غارات جوية مع محاولة التفاوض مع القوات الحكومية”، و”مع استمرار التصعيد لفترة تتكبد جميع الأطراف خسائر، حتى التدخل الروسي للتفاوض، والذي يصب في صالح النظام لقدرته على استراد جميع المناطق من المسلحين الذين يتنازلون عن مطالبهم لإنهاء الاشتباكات”.
وعلى هذا يرى سمير راغب، أن التهدئة هي احتمالية وارد حدوثها، خاصة وأن اللجان المحلية في درعا لا تمتلك داعما لها إقليميا أو دوليا، كما لم يعد لدى المجتمع الدولي شهية لمساندتهم، بل يميل الآن لاتجاه دمج النظام السوري من جديد.
ودرعا واحدة من المناطق الخاضعة لاتفاقية خفض التصعيد الموقعة في مايو 2017 في مفاوضات استانا 4 بين روسيا وإيران وتركيا، لوقف إطلاق النار لمدة 6 أشهر قابلة للتمديد، وإعادة المدنيين لمنازلهم وبناء البنية التحتية.
وقبل استعادة الحكومة للمحافظة، وقعت تحت سيطرة فصائل مسلحة بين 2012 و2018، بايعت بعضها تنظيم داعش الإرهابي.