الصباح الجديد – متابعة:
الكثير من النساء وبسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها العالم اتجهن الى اعمال طالما كانت حكرا على الرجال لحاجتها الى قوة جسمانية او بسبب طبيعة المجتمع والعادات. فنجد هنا مثلا سائقات لسيارات الحمل وسائقات «كيا» او تاكسي، فقد اخترن ان لا يطلبن المساعدة من احد حتى من الاهل ويعملن بكدهن وجهدهن.
في تونس البلد المعروف بانه بلد الحريات ونسائه القويات الجريئات، كسرت فاطمة الفرجاني قواعد المهن الرجالية وتحررت اسوة بالكثير من نظيراتها من قيود التصنيفات مستفيدات من مكاسب الثورة التي يفاخر التونسيون بها.
وتبعت فاطمة شغفها وولعها بعالم ميكانيك السيارات، وتركت عملها الأصلي في مجال المحاسبة الذي أمضت في دراسته سنوات التعليم الجامعي، في سبيل أن تحقق طموحها الفريد، وتصطف إلى جانب الرجال في مهنة احتكرها الذكور طويلا، وحرّمتها التقاليد والأعراف على النساء.
تقول فاطمة صاحبة السبعة وعشرين عاما، إنها درست المحاسبة وحصلت على شهادتها الجامعية في هذا المجال، والتحقت بالعمل في شركة متخصصة في بيع قطع غيار السيارات.
وأضافت أن وجودها في عالم الميكانيك جعلها تتحمس للعمل الذي تدخل ضمنه قطع الغيار التي احبت شكلها وانواعها، وبدأـ تهتم بتلك التفاصيل الصغيرة التي تحرك السيارات وتجعلها تعمل بمنتهى الدقة.
وتابعت: «شيء ما كان يقودني إلى قسم المبيعات، حيث كنت أشاهد زملائي الرجال وهم يتفحصون قطع الغيار ويبيعونها للناس، ومن هناك تعلمت أسماء القطع وخبرت الكلمات التقنية التي يستعملونها في هذا المجال».
دقة الملاحظة وسرعة التعلم وحب الاطلاع، وصفة ثلاثية دمجتها فاطمة مع الشغف بعالم الميكانيك الذي قررت أن تصبح إحدى نسائه القليلات وتبرهن أن المرأة قادرة على اكتساح المهن الرجالية وكسر المألوف من دون أي عوائق.
لم تكتفِ فاطمة بما تعلمته في شركة بيع قطع غيار السيارات، بل أثقلت خبرتها البسيطة بالبحث عن مفاتيح الدخول إلى هذا المجال، فكانت تتفحص المواقع المتخصصة في هذا القطاع، وتبحث عن أي جديد يخص عالم السيارات ويهتم بقطع الغيار.
وعن هذا تقول فاطمة: «عندما تراكمت لديّ خبرة بسيطة قررت أن أفتتح مشروعي الخاص، فأنشأت ورشة صغيرة لبيع قطع الغيار، مستعينة ببعض الأصدقاء من زملاء المهنة».
ولفتت فاطمة إلى أن مهمتها لم تكن سهلة، ولكنها عقدت العزم على الوصول إلى هدفها في أن تصبح رقما مهما في هذا المجال، متحدية ثلاثة عوامل، أولها ضعف الإمكانيات المادية، وثانيها قلة الخبرة، وأهمها كسر القاعدة المجتمعية التي تضع حدودا للمهن النسائية.
وعن التحدي المتعلق برأس المال تقول: «لم يكن من السهل أن أفتح هذه الورشة خاصة وأن قطع الغيار تحتاج إلى رأس مال كبير، لذلك استعنت بما تعلمته في عالم المحاسبة وما درسته في الاقتصاد العام من تقنيات البيع والاستثمار والتسويق، فتمكنت من فتح مشروع كبير بمورد مالي صغير».
أما عن الخبرة، فتقول إنها استعانت بزملائها الذكور الذين كانت تزور محالهم بنحو دائم وتنهل منهم المعلومات سواء في أساليب البيع، أو في طريقة تركيب قطع الغيار، إلى أن راكمت خبرة لا بأس بها، خوّلت لها فتح مشروعها الخاص في مدينتها قرمبالية بمحافظة نابل.
واختزلت فاطمة تجربتها في منافسة مهن الرجال وتحدي عقلية مجتمعها والمحيطين بها بالقول: «أن تكوني فتاة وسط الرجال ليس بالأمر الهيّن، ولكنه أيضا ليس بالأمر المستحيل».
وتوضح أنها وجدت صعوبة في البداية في تقبّل دخولها إلى عالم ميكانيك السيارات خاصة من جيرانها، الذين استغربوا تركها لمجال المحاسبة وفتحها لمشروع في مجال ذكوري.
وتابعت: «كثيرا ما كنت أسمع عبارات محبطة مثلا أن هذه المهنة صعبة على الرجال فما بالك بالنساء! وأنها تتطلب مني الكثير من الجهد والمال، ولكنني تجاهلت هذه الآراء وأصغيت إلى شغفي وطموحي في أن أدخل هذا المجال».
وتروي فاطمة كيف أن بعض الحرفين يطلبون منها مناداة رئيسها في العمل، ظنا منهم أنها تعمل مساعدة بالورشة، وأن بعضهم يصارحونها بأنهم لا يثقون في رأيها لأنهم يعدون النساء دخيلات على المهنة.
ولفتت فاطمة إلى أن مثل هذه العبارات لم تكن تزعجها، وإنما على العكس من ذلك، فهي تعدها حافزا لها لتطوّر من نفسها وتثبت لهم أنهم أخطوا التقييم.
وذكرت أنها حظيت بتشجيع كبير من عائلتها التي دعمت طموحها ماديا ومعنويا وشجعتها على اختيار طريقها بإرادتها من دون ضغوط، على غرار الكثيرين ممن آمنوا بها.
ومنذ فتحها لورشتها تمكنت فاطمة من كسب ثقة زبائنها ونجحت في حذف كلمة «الغريبة» من أذهان الناس وزملائها في المهنة الذين مدوا لها يد المساعدة.
وتطمح فاطمة اليوم، إلى توسيع مشروعها وتدعيم خبرتها من خلال تشخيص السيارات ومعرفة مكمن الخلل بها والتعمق أكثر في عالم الميكانيك الذي شغفت به.
وتنصح فاطمة «الميكانيكية» أبناء جنسها بالتمسك بحلمهن وعدم الانسياق خلف آراء الناس وتجاهل تعاليقهم السلبية التي تكبل رغبتهن وتقمع طموحهن في دخول عالم المهن الصعبة المصنفة للرجال، قائلة إن «سلاح المرء يبدأ من الإيمان بنفسه والثقة في قدراته».