(لنعش فرحين، لانكره من يكرهوننا، وبين من يكرهوننا نعش أحراراً من الكره).
هذا التراث الانساني الرائع لم يجد من يصغي له في مضاربنا المتخمة بكل أنواع التعصب والعنجهية والشموخ الأجوف. عندنا الآخر هو الغريب المنحدر الينا من كتائب الشيطان، ومن السلالات المدنسة. لقد تم برمجة عقولنا وعواطفنا على مدى قرون على احتقار الآخر وتسفيه آرائه وأفكاره وعقائده. في الوقت الذي لا ترى الدامابادا درجات الرقي والسمو عند مريديها الا عند ارتقائهم درجات السلم المتنافر ومنظومة الكراهية. وهنا لا بد من تذكير القارئ بموقف البوذيين من تصرف حركة طالبان من أحد أهم تماثيل بوذا في افغانستان، عندما فجروه اسوة بما فعل المسلمون الاوائل مع أصنام مكة. لقد رفضوا بحزم ربط ذلك العمل الشنيع بالمسلمين، وبرروا لمن قام بذلك العمل بأنه لايتمتع بالوعي والسلامة الكافية. هكذا تمنحهم الدامابادا الحصانة المطلوبة ضد كل أنواع الممارسات الملوثة بأدران الحقد وكراهية الآخر المختلف. فلا حرية ولا سعادة وتناغم مع الذات والطبيعة المحيطة بنا مع الكره، ومثل هذه الأفكار والقيم تبدو طوباوية وبعيدة عن الواقع خاصة في مثل هذه المناخات السائدة في منطقتنا التي تحولت الى أحد أكبر أسواق الترويج لآيديولوجيات العنف واستئصال المختلف. لكنها في المجتمعات التي انعتقت من اغلال موروثات الحروب والتشرذم، تلقى رواجاً كبيراً، حيث تجد فيها قطاعات واسعة ملاذاً منسجماً وروح عالم القرية الكونية الذي يزداد تراصاً على شتى الأصعدة. في عالم اليوم تقدم الدامابادا حلولاً وعلاجاً وسبلاً لسلالات بني آدم من أجل أن يتخففوا من كل تلك الموروثات الصدئة التي تعوقهم من رسم ملامح حياتهم وبما يتفق وحاجات العصر المتعاظمة. انها تقدم لنا جرعات من المحبة وزخات من المطر النقي يساعدنا على معرفة شركائنا في هذا الكون من كل الأجناس. يقول بوذا فيها: ( المرء الطيب يتغلغل في كل مكان). وهذه الحقيقة تتجلى بوضوح عند المبدعين الكبار الذين تمكنوا من التوغل الى أعماق الأشياء بسبب من تحررهم من عبء الفواتير القديمة والموروثات المدججة بالثارات والاحقاد. مثل هذه القيم الروحية المتسامحة والمترعة بالمحبة هي ماتحتاجه مجتمعاتنا التي اكتشفت مؤخراً ثاراتها المؤجلة عن القرون السالفة .ولاشيء غيرها يمكن أن ينقذنا من خارطة طرق التشرذم والهرولات المتدافعة على دروبها وآفاقها المعتمة
جمال جصاني