كه يلان مُحمد
اذا كانت وفرة الأحزاب والكيانات السياسية مقياساً للديموقراطية فإن تجربة السياسية العراقية ستنال قصب السبق في هذا المضمار نظراً لتناثر المجموعات السياسية في كل أنحاء البلد وستتصاعدُ نسبة الأحزاب والقوائمُ بمسميات مُختلفة في موسم الإنتخابات بحيثُ يبدو أن الإنسان العراقي لايشغلهُ سوى أمر المرشحين ومايقدمونه من المشاريع المُتضخمة هذا إضافة إلى التحالفات بين الكيانات السياسية إذ يتفق عددُ من أقطاب الأحزاب على تشكيل قائمة واحدة للمشاركة في الإنتخابات وهنا لايهمُ مدى توافق أو تقارب مناهج وإختلاف الرؤية في برنامج تلك الأحزاب المنضوية في قائمة مشتركة لأنَّ الشعارات السياسية والبرنامج المُعلنة هي بمثابة الديكور الذي يغطي الهدف الأساسي من وراء هذا الصراع المحموم للدخول إلى قاعة الكابيتول وحجز المقعد،ولايخفى على أحد حجم المكاسب الموعودة لمن يصبحُ نائباً أو نائبةً في البرلمان العراقي الذي يعدُ من أكثر المؤسسات فشلا ً في آلية عملها وعلامة لإنحطاط وتكلس العقلية السياسية،مع كل دورة إنتخابية تُضيفُ هذه المؤسسة مجموعةً من النواب إلى قائمة المُتقاعدين السياسيين الذين يُكافأون على خلو سجلهم من المواقف الجريئة بمبالغ ورواتب طائلة، ما نقوله بشأن مجلس النواب العراقي يطبق أيضاً على نظيره في الإقليم حيثُ إرتكن نواب البرلمان إلى كنبات وثيرة بعدما أُغلق باب تلك المؤسسة التشريعية من دونهم ولسان حالهم يقولُ رضينا بالغنيمة إياباً،في ظل هذه الأجواء من المتوقع أن يستشري الفسادُ في كل المرافق الإدارية والحكومية طالما أنَّ من منحَه الشعبُ ثقته لم يكنْ على مستوى المسؤولية وساوم بحقوق الناس من أجل مزيد من الإمتيازات فبالتالي لن يكون مبنى البرلمان سوى سوقٍ سياسي لإبرام الصفقات بين الكتل النيابية وشراء الولاءات ما أفقد المؤسسة التشريعية وظيفتها الأساسية المتمثلة في سن القوانين ومراقبة السلطة التنفيذية ولم يشهد المواطن العراقي منذ 2005 على مسرح برلمانه العتيد إلا مشاهد كوميدية سمجة كانت الغاية منها إيهام العالم الخارجي بأنَّ المتربعين على السلطة يُمثلون إرادة الناخب،ومن المعلوم بأنَّ مبدأ المُحاصصة الطائفية والإثنية هو ما يحتكمُ إليه في سوق السياسة العراقية إذ تتداول المناصب بين ثلة من شخصيات معينة أيا كانت نتائج الإنتخابات فهناك وجوه تُعيد إنتاج نفسها في قوالب جديدة الأمر الذي له مايُماثله أيضاً في إقليم كردستان حيث إختبر المواطنون التصويت للأحزاب المُعارضة والقوائم الجديدة لكن المشهد السياسي لم يتغيرْ بل مني المصوتون بخيبة أمل كبيرة عندما فشلت المعارضة في تحويل نتائج الإنتخابات إلى رغبة فعلية للإنتقال النوعي،ويتم الإلتفاف على الأزمات الناجمة من سوء إدارة دفة الحُكم بترويج شعارات قومية وطائفية وضرورة التلاحم بين القيادة والشعب لأنَّ السفينة إذا غرقت يغرقُ معها الجميع علماً أنَّ الشعب العراقي بِمُختلف طوائفه يدفعُ لسنوات طوال ثمن أخطاء ربابنة السفينة.والأسوءُ في أجندة الساسة العراقيين هو محاولة تعئبةِ مكونات المجتمع ضد بعضها من خلال تغذية الحس الطائفي والقومي خدمةً لمصالحهم الذاتية كما أن الدين أيضاً أصبح مرتقى لتسنم مقاليد الحكم.ونحن نقول ذلك ندرك بأنَّ المجتمعات المتقدمة قد قطعت أشواطاً كبيرة على صعيد التطور السياسي والعلمي ويتطلعُ مواطنواها إلى مزيد من الإنجازات مستفيدين من الفرص المُتاحة لهم وذلك مايعزز الشعور بالإنتماء لدى الفرد ويدعمُ الوحدة الوطنية،لذافإن الشعارات الجوفاء والعقليات الخاوية لاتنفعُ في عالم شعاره هو «إنَّ التغيير إنْ لم تَقُدْه أنت فسوف يقودك» كما أكد المشاركون على ذلك في القمة العالمية للحكومات التي إنعقدت في دبي مؤخراً.وما يكرسُ مصيراً مشتركاً للمواطنين في العراق ويجرف الحزازات الطائفية في النفوس هو ظهور عقلية مُغايرة لما ساد على العقود المنصرمة وليس إنتقال نائب أو نائبة من قائمة كردية إلى عربية كما ذهب إلى ذلك السيد (طارق حرب) حيث تناول في مقاله المنشور بجريدة الصباح الجديد عدد16شباط فوائدة ترشيح شخصيات عربية على قوائم كردية وشخصيات كردية على قوائم عربية.من نافلة القول التذكير بأن السيد طارق حرب من الملمين بكواليس السياسة العراقية كما لديه خبرة برلمانية وتابع عن كثب مايجري تحت قبة مجلس النواب ناهيك عن موضوعيته في مقاربة التطورات المتلاحقة على الساحة السياسية لذلك يتفهمُ أكثر من غيره دلالة إنتقال نائب من قائمة إلى أخرى دون أن تكون هناك تبريرات مُقنعة لهذا التحول،يشارُ إلى أنَّ هذه الحالة ليست غريبة في معترك السياسي الكردي إذ كثيراً مانسمعُ إعلان وزير إنضمامه إلى الحزب الذي كان يمثلُ غريمه السياسي وبذلك يضمن بقاءَه لمدة طويلة في منصبه طالما هو بجوار المتنفذين.
يبدو أنَّ الأحزاب السياسية صارت مثل النوادي الرياضية ما أن يتصاعدُ شخص بواسطة كتلة سياسية معينة حتى يبحثُ عن فرص أكثر ومناصب رفيعة لدى غيرها.في الختام أقول تمنيت أن يكون موضوع هذا المقال بيعدا عن الحقل السياسي لأن((إحدى المزايا العظيمة لمجتمع مُحترم أنَّك لاتحتاجُ فيه إلى التفكير في السياسة دائما)) على حد تعبير المُفكر الأمريكي كوامي أباياه.