محمد الذهبي
في العام الذي كَثُرَ فيه الشهداء
كان وجهي ملبداً بالغيوم
وخوذتي ترهق رأسي بحركتها المستمرة
وثيابي متسخة
لم أكن وحيداً فقد سبقني الكثيرون وغادروا مسرعين
لم أكن ازن الحرب بميزانها
لا اعرف أن الإنسان يموت بهذه البساطة
حينها أوشكت بأن أكونَ شهيداً
التفاتة بسيطة من قذيفة مراهقة
سقطت في الخندق الشقيّ
سترت وجهي بيدي وصرخت
ألقيتُ نفسي بعيداً
في الغروب الماضي
وضع الجنود صفيحة مضلعة بيني وبين القذيفة التي سقطت صباحاً
تناثرت الشظايا
تأملتُ الصفيحة المثقبة
أيقنتُ أن وجهي كان مثقباً هو أيضا
حتى الآن لا أحبُّ الصفائحَ التي تصدرُ أصواتاً في الليل مع حركة الريح
تذكرني أنني قُتِلْتُ قبلَ أربعة وثلاثين عاماً
لكنني عدتُ ثانيةً لأمي التي أوشكت أن تبحث عني طويلاً
كنتُ سأبقى شهيداً منسياً كالآخرين
وتفقد ارض الشيب عفتها بموتي
كما تفقد النسوة ابناءهنَّ
وبلا كلمات العزاء يمرُّ بصمتٍ بين الوطن وما خلّفهُ من جراح
بين الطغاة وأمجادهم نقرأ الفاتحة
يعترض الضابط خلفي ويلعن صمت بندقيتي
اقتل ما شئتَ فالقتلُ مشروعٌ في الحرب
وأنا لم اصدّق بعد أن بندقيتي تستطيع أن تقتلَ عدواً
وطالما تركتها وارتقيت الى الساتر حاملاً سيجارةً ومذياعاً صغيراً
يتكلم عن انتصارات الجيش الأخيرة
أوشكت أن أكون شهيداً
التعليقات مغلقة