علي السباعي
نقلت ساقي ببطء، مجتازاً باب المستشفى، تمرغت بصدري رائحة المطهرات، رؤية بياض الملاءات، وقد تقيأ الناس آلامهم فوقها، يشيع في النفس الألم. دلفت إلى غرفة الكشف، استمر الكشف رتيباً حتى حضر رجل يبلغ من العمر ثلاثا وأربعين سنة يبكي بحرقة، حاملاً بين ذراعيه طفلاً عمره قرابة أربعة أعوام يصرخ باكياً، خلفهم يعول باكياً صبي آخر يرتدي زياً مدرسياً، هتفت بهم الممرضة:
-الزموا الهدوء من فضلكم.
تحذير الممرضة حافز استنفر مشاعرهم على البكاء، قلت لهم:
-ما بكم؟
هبَّ نحوي الرجل مرتجفاً باكياً، تمتم بصوته الباكي:
-ابني دكتور! قد فقد سمعه.
حمل باب الغرفة المشرع تياراً هوائياً محملاً برائحة المطهرات، جاءني سكوته مدعماً بالذنب الذي أشاعته عيناه، حملت الممرضة الطفل ووضعته فوق السرير، اتضح من معاينته سريرياً أن:
(طبلة أذنه اليسرى ممزقة). سألت والد الطفل:
-ماذا حصل لأذن الصغير؟
رفع يداه عالياً كأنه طائر أفرد جناحيه للطيران وضرب بهما فخذيه قائلاً:
-أنا من ضربه، بعدما أكل رغيف أخيه. حضر أخوه من المدرسة جائعاً، طالباً ما يسد به جوعه، راحت أمه تبحث عن رغيف الخبز فلم تجده، وبعد عناء أخبرنا بأنه أكل رغيف أخيه، لذا صفعته حتى…
قاطعته مغتاظاً:
-بدلاً من أن تصفعه كان من الأجدر بك أن تعطي ولدك الثاني شيئاً يأكله.
اقترب مني، وضع فمه على أذني، وأسرَّ لي هامساً:
-أرغفة الخبز، تصدَّق بها أحد الميسورين من جيراننا، وكان ما أكله آخر رغيف. يا دكتور!
آخر رغيف
التعليقات مغلقة