جاء في لسان العرب أن الفَكر والفِكر: إعمال الخاطر في الشيء. وجاء في المعجم الوسيط فَكَر في الأمرـ فَكراً: أعمل العقل فيه ورتب بعض ما يعلم ليصل به إلى مجهول.. والتفكير مفهوم غامض لا نستطيع أن نراه أو نلمسه داخل الدماغ فالتفكير خليط من عمليات نفسية وكيميائية وعصبية متداخلة مع بعضها وهذا الخليط ينتج عملية التفكير ويتألف التفكير من ثلاثة مكونات:
1 – العمليات المعرفية المعقدة مثل (حل المشكلات) والأقل تعقيداً (الملاحظة والمقارنة والتصنيف) وعمليات توجيه وتحكم فوق معرفية.
2- المعرفة الخاصة بمحتوى المادة أو الموضوع.
3- الاستعدادات والعوامل شخصية (اتجاهات، موضوعية، ميول ).
وهناك حاجة للتفريق بين مفهومي (التفكير ومهارات التفكير)، ذلك أن التفكير عملية كلية نقوم عن طريقها بمعالجة عقلية للمدخلات الحسية والمعلومات المسترجعة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها وهي عملية تتضمن الإدراك والخبرة السابقة والمعالجة الواعية والاحتضان والحدس وعن طريقها تكتسب الخبرة. أما مهارات التفكير: فهي عمليات محددة نمارسها ونستعملها عن قصد في معالجة المعلومات مثل (مهارات تحديد المشكلة، إيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص، أو تقييم قوة الدليل، أو الادعاء) وكذلك التفكير يتألف من مهارات متعددة تسهم إجادة كل منها في فاعلية عملية التفكير . لذلك فان من صفات التفكير القضائي السليم إن يكون التفكير واضحا ومنظما وحاسما اما التفكير المنظم فهو أن يكون القاضي ذا عقل مرتب وان يحاذر من التفكير المضطرب الذي يجعله يتحول من مشكلة الدعوى إلى مشكلة أخرى قبل أن يقوم بحل المشكلة الأولى. وقاضي الموضوع هو وحده صاحب الحق في تقدير ما يقدم إليه في الدعوى من أدلة لكي لا يبنى حكمه إلا على الدليل الذي يطمئن إليه وجدانه وشعوره وفي فهم ما يقوم في الدعوى من قرائن ولا تثريب على الحكم إذا ارتاح وجدان القاضي إلى ما اعتمده من أدلة وقرائن متساندة يكمل بعضها بعضا ومستمدة من ما له من أصل ثابت في الأوراق في مجموعها أدلة سائغة تؤدي الى النتيجة التي خلص إليها كما لا تثريب على المحكمة اذا هي طرحت شهادة شهود في التحقيق الذي أمرت بعدم قناعتها بصدق أقوالهم, وهذا لا يعدو منها تحللا من نتيجة التحقيق الذي اجري بناءا على امر منها وإنما هو سلطة تقديرية منحها المشرع لها في تقدير شهادة الشهود وقامت به في حدود سلطاتها. كما ان المحكمة غير مقيدة بالنتيجة التي يسفر عنها تنفيذ حكمها التمهيدي بل إن لها الحرية التامة في تقدير أهمية الوقائع التي أمرت بالتحقيق فيها حسب ما يرتاح إليه ضميرها وتمليه عليها قناعاتها. وان تقدير الأدلة ووزنها امر يستقل به قاضي الموضوع ولا رقابة عليه من محكمة التمييز متى كان سائغا ويؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها الحكم إلا إن ذلك الأمر مقيد بقيدين أولهما يتعلق بالإقرار اذا لا يستطيع القاضي تقدير الدليل فيه بل تنحصر سلطته في التأكد من توفره والثاني هو عدم التعسف في تقدير الدليل بل إن المنطق والإحساس بخبرة الحياة لها دور فاعل ومؤثر في عملية الإقناع . وهذا هو التفكير القضائي السليم.
القاضي جعفر كاظم المالكي
التفكير القضائي السليم
التعليقات مغلقة