تتميز المجتمعات التي لم تصل لسن التكليف الحضاري بحاجتها المستمرة لوجود الفرامين وتطفل الأجهزة الأمنية في تفصيلات حياتها بما في ذلك الجانب العبادي منها، وهذا ما يحصل معنا عندما تستقبل وزارة الداخلية شهر رمضان بحزمة من الفرامين المنحدرة إلينا من عصور العصملي وأسلافه من سلطات بدائية كانت تفهم قضايا الإيمان والمعتقدات الروحية كمهمة أساسية لعسسها وأجهزتها القمعية، تقوم بتعميمها وفرضها على عيال الله. لم يتغير شيء مع فرسان حقبة الفتح الديمقراطي المبين، لا سيما بعد أن أفصح ممثليهم عن طبيعة علاقتهم مع مفهوم الديمقراطية (مع آلياتها وضد فلسفتها والحريات المارقة التي تتضمنها) لذلك نجد أنفسنا وعلى شتى الجبهات والحقول لا نحصد غير الفشل والعجز، ولا ينحصر ذلك في همومنا الدنيوية وحسب بل الى الهم الروحي والمعنوي، إذ لم تحدث أي تحولات نوعية في مجال النظرة الى الإيمان والتطور الهائل الذي حققته البشرية، عندما انتقلت به من حال العبودية والخضوع الجبري وفضاءاته الضيقة الى فضاء الحرية والعلاقة الواعية والمستقلة مع كل ما يحيط بنا من قضايا وأشياء وهموم.
في تونس وهي من البلدان الرائدة في مجال العلاقة مع هذا المعنى الجديد للفهم والسلوك، وضع حد لمثل هذه الفرامين المتنافرة وقيم المواطنة (لا الرعية) والديمقراطية ومنظومة الحقوق والحريات، وتصرفت باحترام وثقة مع مواطنيها وسلوكهم الواعي والمهذب. ونحن في هذا الوطن المنكوب بموروثات الخوف، بأمس الحاجة الى مثل هذا المنهج الجديد، المتناغم والتطلع لبناء مجتمع أحرار لا عبيد وأتباع كما ترغب المخلوقات المسكونة بذلك الإرث المميت. عندما نسلط الضوء على مثل هذه التقاليد والفرامين المتنافرة والكثير من فقرات وبنود الدستور العراقي وقيم ومدونات حقوق الإنسان الأممية، فهذا لا يعني أن القوم سيلتفتون لمثل هذا الأمر، لا سيما وأنهم ما زالوا لا يجدون ضررا بوجودهم تحت ظل علم ونشيد النظام المباد والكثير من فرامين “مجلس قيادة الثورة” المنحل. قد تبدو مثل هذه الملاحظات بطرانة قياساً والكم الهائل من الخروقات والانتهاكات الحاصلة على تضاريس هذا الوطن القديم، لكنها في الحقيقة كما قطرة الماء تعكس محتويات كل ما يحيط بنا من تحديات ومخاطر.
وكي نبقى على أرض الواقع لا التمنيات، نقول إن التحرر من ذلك الإرث العصملي، ما زال يحتاج الى الكثير من الوقت والوعي والجهد، لكن بقاء مثل تلك الفرامين البالية غير ممكن، مهما استقتلت قوى التخلف والقمع، ولا مناص من التشريعات التي تنتشل من حاولت السماء تكريمه ذات عصر، من أن تتمدد وتترسخ على تضاريس أول وطن دارت على تضاريسة أول عجلة وباكورة المدونات. ما يدعونا لطرح مثل هذه المواضيع، لأن مثل هذه الفرامين تنحدر إلينا من منظومات الخوف التي ألحقت بنا كعراقيين أفدح الأضرار، ولا بد من الرهان على العراقي الحر والمسؤول لا المذعور، والذي قدم للعالم أسوأ صورة ممكنة عنا بين الشعوب والأمم، حباً بالله كفو عن مثل هذا الممارسات والسلوكيات المهينة، وكل عام وأنتم أحرار..
جمال جصاني
كل رمضان وأنتم أحرار
التعليقات مغلقة