أمير الحلو
قد تتنوع الكتب التي يقرأها الشخص وحسب رغباته واهتماماته وقد تكون ضمن توجه فكري أو ثقافي أو اكاديمي واحد،ولكني وجدت من خلال تجربتي الخاصة وبعض الاصدقاء والزملاء ان بعض الكتب التي قد يطلع عليها الانسان في البداية قد تكون مدخلا لصقل اهتمامات الفرد في القراءة باتجاه معين وجعله يهتم بحقل قد يتخصص به او يجعل متابعته من هواياته الدائمة.
أجرت إحدى المحطات الفضائية لقاء معي تركز حول القراءة والكتب واهميتها في حياة القارئ والكاتب،وقد انتبهت وانا اتحدث الى حقيقة ان كتاباً معيناً قد يكون المدخل و المشجع على متابعة المنهج الفكري الذي اعتمد عليه الكتاب المذكور سيجعلك تواصل القراءة في الموضوع وتتوصل الى عوالم جديدة في رحاب موضوعه.وقد ذهب ذهني الى بدايات قراءاتي المتعددة لكتاب(في الشعر الجاهلي)للدكتور طه حسين حيث ضم باقة كبيرة من المفاهيم والمدارك التي تجعل القارئ ينتبه الى الكثير من الامور التي كان يعدها بديهية فاذا هي قابلة للمناقشة والخروج باستنتاجات غير التي يعتقد بها سابقاً،وتلك حالة فكرية متقدمة تكسر الجمود والتمسك بالثوابت التي قد يكون الزمن قد عفا عليها،كما يثير الكتاب قضية اللغة واثرها في ايصال الثقافات المتنوعة والتي يجب ان لا تقتصر حتى ضمن الشعب الواحد على مجموعة او قبيلة وبحسب لغتها .
وقد شجعني كتاب الدكتور طه حسين الى العودة الى كتابات جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وعلي عبد الرازق والكواكبي وغيرهم من(المتنورين)الذين رفضوا الجمود الفكري والتفسير الواحد واطلقوا العنان لافكارهم لتطرح الامور بحرية.
وقد اعجبني المفكر المتنور د.جمال البنا(شقيق حسن البنا مؤسس الاخوان المسلمين)وهو يختلف كلياً عن اخيه،عندما قال في ندوة فكرية ان محمد عبده قد انتج سعد زغلول في مجال السياسة والوطنية،وقاسم امين في مجال التحرر الفكري ورفض الفكر الجامد،وبذلك يؤكد ان المفكر حتى لو كان صاحب اتجاه معين قد يؤثر بشكل مباشر او غير مباشر في فكر قياديين قد لا ينتمون الى منهجه او انتمائه السياسي ولكنهم يستفيدون من طريقة تحليله للامور التاريخية والحالية والخروج باستنتاجات متقدمة على ما طرحه غير المتنورين،اعود الى طه حسين ثانية لاقول ان كتابه بما تضمنه من فكر تقدمي قادني الى البحث عن امثاله في العهود الحديثة فوجدت كتابات د.محمد شحرور وسيد القمني والصادق النيهوم وفرج فوده ونصر ابو زيد وخليل عبد الكريم وغيرهم هي امتداد لكتابات من ذكرتهم من الكتاب الذين اعتبرتهم قد فتحوا باباً للفكر الحر كما فعل(ابن رشد) في الاندلس قبل قرون ،لذلك فقد نهلت من فكر هؤلاء الكتاب واستفدت كثيراً من منهجهم العلمي في التحليل ووصولهم من خلاله الى استنتاجات اثارت حولهم حفيظة الكتاب الرجعيين الذين كشروا عن أنيابهم الى حد طلب (الموت) للفكر المتنور واصحابه .
ولا استطيع المفاضلة بين كتابات هؤلاء المفكرين ولكني وجدت انهم قد حصلوا على شهرة كبيرة وخصوصاً المصريين،فاشقاؤنا لديهم قدرة عجيبة على تعظيم كتابهم ومفكريهم وفنانيهم وغيرهم،في حين اجد ان كتب الدكتور السوري محمد شحرور حول تفسيرات جديدة للقرآن الكريم من اهم واخطر الكتب التي قرأتها خلال عقود،وانه استطاع بذكاء كبير الحفاظ على منهجه العلمي في التحليل وهو استعمال الجدل في الاستنتاج مع تمسكه بالفكر الديني المتنوع وما جاءت به الكتب السماوية،وجعلها منهجاً للدراسة الواعية للخروج بنتائج تسلط اضواء جديدة على مناحي الحياة وتفسيرها يختلف عن المنهج الجامد،ولكن د.شحرور لم يأخذ فرصته في الشهرة واعتقد ان العديد من المثقفين لم يقرأوا كتبه التي أعدّها لا تقل (خطورة)عن كتابات طه حسين والقمني وابو زيد وغيرهم .
علينا الاقرار بأن هذه هي سنّة الحياة ،فالتطور هو الذي يجعلها تتقدم نحو الافضل باستمرار في حين الجمود يجعلها عرضة لان (يلعب) بها الجهلة الذين مازالوا يبحثون عن امور لا تفيد البشر حتى في الحصول على قرص من الخبز النظيف .