سلام مكي
الفن رسالة، والرسالة كما هو معلوم، لابد لها من مرسل ومرسل إليه. ولكي تكون الرسالة بليغة، معبرة بشكل وافٍ عن الفكرة التي يريد المرسل إيصالها للمرسل إليه، لابد أن تكون رصينة، قائمة على حقائق ووقائع صحيحة، وأن تتضمن أمورا صادقة. ولعل الدراما التلفزيونية، أكثر وسيلة يمكن من خلالها إيصال الرسائل الايجابية للجمهور عبر الفن، باعتبار أن هذا الفن يحظى بجمهور واسع، عكس باقي الفنون كالتشكيل والنحت…
اليوم وفي رمضان، تزدحم الفضائيات بالكثير من المسلسلات التلفزيونية العراقية، التي تم إنتاجها خصيصا لرمضان. ومنذ الحلقات الأولى تلك المسلسلات، تم أخذ انطباع كبير عنها، بين معجب بعمل أو عملين، وبين رافض وساخط على جميع الأعمال. ما يهمنا في هذا الحديث، هو المشاهد التي تصور الخصومة بين الطرفين، عندما يكونان داخل قاعة المحكمة. تلك المشاهد، سلاح ذو حدين، إذ يمكن أن يتم توظيفها لإشاعة الثقافة القانونية، وتعليم الناس، أسس وقواعد المرافعات المدنية أو المحاكمات في القضايا الجزائية، ومؤكد أن وصول المعلومة عبر المشاهد التمثيلية، سيكون أسرع وأكبر، من أخذها عن طريق القراءة في كتب القانون التي هجرها حتى من يختص بالقانون! بالمقابل، قد تستغل تلك المشاهد لتسطيح فكرة القانون، عبر السعي في كثير من الأحيان الى تغليب الجانب الهزلي على الجدي، إذ يتم رسم أجواء المرافعة، بشكل بعيد جدا عن الواقع، والسبب يعود بشكل كبير الى جهل الكاتب والمخرج بأبجديات القانون، وعدم الاستعانة بمختصين في القانون لغرض بناء حوارات درامية رصينة، تستند الى الواقع والقانون.
في أحد المشاهد، يجسد شخصية القاضي، أحد الشخصيات التي تظهر على شاشات الفضائيات كثيرا، تمارس التحليل السياسي، مما يعني خبرة واسعة في العمل القضائي وأبجدياته، بحكم قرب السياسة من القانون، لكن ما شاهدناه بعيد كل البعد عن الواقع وعن القانون، إذ أن ما جرى في المشهد التمثيلي ، يختلف عن الواقع من جميع النواحي، إذ أن لا أحد يتكلم دون إذن من القاضي، والكلام يكون بحدود السؤال والقضية المطروحة. وأي تعدٍ أو تجاوز على المحكمة أو الاخلال بالجلسة، فإن للقاضي أن يتخذ كافة القرارات والاجراءات التي تضمن سلامة الجلسة وحسن سيرها. لكن ما نشاهده في المسلسلات التلفزيونية، أن الأطراف تتكلم بما يحلو لها، دون اعتراض من القاضي. وهذا ما يعطي للمشاهد انطباعا سلبيا عن طبيعة إجراءات المرافعة، إذ أن ما يشاهد قد يتصور أنه مشابه للواقع، بينما الواقع يشير الى غير ذلك تماما.
في أحد المشاهد، يقرر القاضي إحالة دعوى طلاق الى الباحث الاجتماعي، لبيان مدى إمكانية التوفيق بين الطرفين. فيقاطع الزوج القاضي بقوله: لو أحلتها للمفتي فلن تحل المشكلة! القاضي يصمت دون جواب. فلو شاهد مواطن هذه اللقطة، وتأثر بها ليحاول تقليدها في الواقع عندما يترافع في دعوة ما ويتكلم بنفس طريقة الممثل، لوجد نفسه بعد لحظات داخل القفص!
إننا بحاجة اليوم الى الكثير من العمل والجهد في سبيل التأسيس لدراما تستند الى الواقع الحقيقي، وتأخذ مفرداتها مما هو موجود على أرض الواقع، خصوصا تلك التي يتم تصويرها داخل المحاكم أو التي يتم فيها تمثيل وقائع محكمة، لأن تلك المشاهد سوف يتم مشاهدتها من قبل الملايين، ولابد من أنهم سيتأثرون بها، فإذا كانت غير صحيحة، فإن التأثير سيكون سلبيا ويمكن أن يدخل المشاهد بمشاكل لا عد لها ولا حصر، خصوصا فيما يتعلق بالتعامل مع المحاكم، اضافة الى أن ما يرد فيها من معلومات قانونية خاطئة، قد تؤدي الى ضياع حقوق الناس.