الحبكة المكانية في “عوعو” الزقاق الحياوي الصاخب

يوسف عبود جويعد

رواية “(عوعو) الزقاق الحياوي الصاخب” للكاتب حميد الكناني، التي تعد بنية العنونة فيها عتبة نصية موازية لمتن النص، لما لها من دلالة واضحة لمعرفة محتوى الرواية، والاشارة الى عناصر وادوات وركائز عملية صناعة الرواية، إذ إن الدلالة تشير الى عنصرين مهمين من تلك العناصر التي تدخل ضمن عملية البناء الفني للرواية؛ الا وهما المكان والبيئة، حيث سنكتشف لاحقا، أن (عوعو) زقاق من أزقة مدينة الحي في محافظة واسط، وهو دائم الصراخ والعويل والضجيج والصخب، وكأن السامع من بعيد يخال له بأن هذه الأصوات العالية عويل لجمع من الناس، والسبب في ذلك ما حدث وما يحدث فيها من أحداث تخص الأسر التي تسكن ذلك الزقاق، في زمن الحكم التعسفي القمعي، الذي كان يدير البلاد بالحديد والنار، حيث نشطت فيه القوى المناوئة للسلطة الطاغية، والباحثة عن الخلاص والحرية، في وقت كانت عيون السلطة في كل شبر فيه، والمراقبة والترصد والمداهمات الليلية والاعتقالات في أوجها بسبب اشتداد المعارضة من قبل أبناء هذا الزقاق بسبب ما لا قوه من تعامل لا يمت بالإنسانية من صلة، ومن خلال السارد العليم الذي يقوم بمهمة إدارة دفة الأحداث منذ بدايتها وحتى انتهاء فصول الرواية التي قطعت بأرقام متسلسلة، لنكون مع أسرة فادي المتكونة من الاب والأم وفادي ومفيد وزينب وفضيلة، الذي سيكون لكل واحد منهم دور في لاحق أحداث الرواية.
تتسع دائرة الاحداث وتكبر، ولكون الرواية هي رواية مكانية بيئية يقوم المؤلف بضخ شخصيات من الزقاق، مثل الشقي نوح، وأم خيل وابنها والتي تعمل بأمور السحر والشعوذة، التي تستقبل النسوة المثكلات بأبنائهن والمغيبين والمعتقلين من أجل اطمئنانهن على مصير ابنائهن، ويبدو لنا ان فادي بطل هذه الرواية اكثر الذين سلطت عليهم الأضواء من قبل السلطة، فيتعرض الى المضايقات والمطاردات وحتى الاعتقال، وينبري والده راضي لإخراجه من خلال تدخل وجهاء هذا الزقاق الامر الذي حدا بفادي الهروب والاختفاء في مكان آمن للخلاص من هذا الطوق الخانق:
“صحا سكان “عكد عوعو” ذات يوم على امر كبير، صحيح أنهم تفاجؤوا باختفاء فادي وأظهروا حزنا عميقا، وكأن سفره صار حدثا غريبا غير مسبوق، فاعتقدوا باختفائه ولم يعتقدوا بسفره بملء ارادته، أشيع أنه مناهض للحكومة، إذ قام أزلام الوجيه عباس الظفر الحملة، فانتشرت شائعة اختفائه كالنار في الهشيم، المفاجأة الأكبر هي الناحية الأمنية التي بدت تدب في الزقاق، إذ داهم رجال الأمن بيت الحاج راضي، واستجوبوا السكان، بدا الخوف يتسرب الى النفوس ومع ذلك كان الجميع واقفين داعمين له ولعائلته.” (ص 26)
وهكذا تزداد الاحدث حدة وتحتدم وتتوهج، بسبب حملة المداهمات والاعتقالات التي طالت أبناء هذا الزقاق، واعتقال الاب والتحقيق معه، وكذلك اعتقال ام فادي والتحقيق معها، يموت الأب بسبب القلق والخوف على أبنه بارتفاع ضغط الدم، وتخاف ام فادي على ابنتيها من اغتصابهما من قبل رجال الامن، الذين كان اسلوبهم في انتزاع الاعتراف هو جلب نساء المعتقل واغتصابهن امام عينيه اذا لم يعترف، لذا اسرعت بتزوجيهما من اجل ابعادهن وتوفير ملاذ آمن لهن، ويظل همها الكبير هو البحث عن ابنها فادي الذي اختفى وانقطعت أخباره، وفجأة تصل رسالة من فادي عن طريق مجهول الهوية يخبرهم بأنه بخير، وعليهم حرق الرسالة بعد الانتهاء من قراءتها، وكما أن الاحداث تتصاعد لدى اسرة فادي فإن الاحداث في زقاق (عوعو) تتصاعد وتزداد توترا، نجد ام خليل تصاب بحالة جنون وكذلك الحال في بقية أسر الساكنين هذا الزقاق، ويحاول المؤلف ان يوسع دائرة الاحداث من خلال الطواف في هذا الزقاق، ومتابعة احوال الأسر وما آلت اليه الحياة القاسية الصعبة التي يعيشونها تحت ظل حكم قمعي تعسفي، وينقل لنا حكاياتهم التي تحمل الكثير من الغرابة والقسوة والألم، كما يطوف المؤلف في العاصمة بغداد لنقل وقائع الانتفاضة العارمة وما حدث من فوضى وارتباك بين أبناء الشعب، ليمنح الرواية بعداً اكبر، ومن خلال البحث والتقصي المستمر من قبل أم فادي، تكتشف أن من يعرف مصير ابنها فادي، هو صديقه المقرب اليه نوح، ومن خلال الزيارات المستمرة لبيت نوح والالتقاء بزوجته، تكتشف حقيقة أن فادي بخير، وان سبب اختفائه من أجل الخلاص من مطاردة السلطة له،
“زارت السجن منظمة دولية، رفعت تقريرها إلى مراجعها إلا أن الثورة امتدت إلى خارج السجن شملت أنحاء البلاد بما فيها المدينة الصغيرة، وشارك أفراد “عوعو” بتلك الانتفاضة الكبيرة، كسرت السجون، وأخرج المعتقلون علت أصوات النصر، وتعالت الزغاريد والهتافات المضادة للعصبية والطائفية زحفت الحشود البشرية تفتش عن اناس انقطعت اخبارهم منذ سنين طويلة.” (ص 172
وهكذا تسير الاحداث نحو انفراجها، معلنة بداية صفحة جديدة من الحياة السياسية والاجتماعية.
رواية “(عوعو) الزقاق الحياوي الصاخب” للروائي حميد الكناني، رواية كتبت بالواقعية النقدية، وبأسلوب حكائي شمولي، لتقدم لنا صراعاً كبيراً ضد سلطة دكتاتورية غاشمة ليكون النصر حليف الحق.
………………
“عوعو” الزقاق الحياوي الصاخب، من اصدارات دار الورشة الثقافية – شارع المتنبي لعام 2025

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة