أ.حياة بومعزة
ترجع الدعوة إلى تعليم اللغات من منظور اتصالي إلى القرن السابع عشر حين كتب “جون لوك” عن تعلم اللغة قائلا:” يتعلم الناس اللغة من أجل التفاعل مع المجتمع، وتحقيق الاتصال، فترددت منذ القدم مصطلحات مثل: الاتصال، والأسلوب الأصلي، أو الحقيقي، والمحادثة والتعلم الطبيعي، والتعلم الوظيفي، والطريقة المباشرة، وهذه المصطلحات هي الأكثر شيوعا في المدخل الاتصالي في وقتنا الراهن، كان هناك إحساس بأن اللغة هدفها الاتصال، وتحقيق التعامل مع أفراد المجتمع، إلا أن التفكير المنهجي حول المدخل الاتصالـي وتناوله بأسلوب علمي يعتمد على منطلقات معينة، ويتخذ له إجراءات محددة داخـل الفصل، لـم يبـدأ إلا منذ الستينيات من القرن الماضي حين بدأ البريطانيون في نقد أسلوب تعليم اللغات الأجنبية عندهم، وطرحوا فكرة الامكانيات الوظيفية والاتصالية للغة، وأبرزوا الحاجة إلى الإجادة الاتصالية.
إن وظيفة الاتصال من أهم وظائف اللغة ذات الطابع الاجتماعي، فهي تمثل علاقة اللغة بالمجتمع، وعلاقة الفرد بالمجتمع من خلال اللغة، فاللغة هي أداة المرء في الاتصال بأفراد المجتمع، ” فعن طريق الاستماع والتحدث يستطيع أن يتصل بأفراد هذه الجماعة ليقضي حاجاته اليومية، ويعرف ما لديهم من أفكار ومعلومات وآراء، ويشارك في توجيه نشاطهم، وعن طريق القراءة والكتابة يستطيع أن يخرج عن حدود الجماعة الصغيرة، ويتصل بالمجتمع الكبير ليحقق مطالبيه، ويطلع على ما يجري فيه من أحداث وتطورات، ويكتسب خبرات أوسع ومعلومات أكثر.
إن اللغة أساسية في اتمام الاتصال ” التي لا تتم بين المرسل والمستقبل إلا عن طريق الرسالة، والرسالة هنا هي الوسيلة في عملية الاتصال، وبمعنى أوضح هي اللغة، فاللغة إذن هي وسيلة الاتصال الأساسية”، والمواقف التي يحتاج فيها الفرد إلى استعمال اللغة للاتصال كثيرة منـها ” الوظيفة النفعية، والوظيفـة التنظيمية، والوظيفة التفاعلية، والوظيفة الشخصية، والوظيفة الاستكشافية، والوظيفة التخييلة”، وعند تحقق هذه الوظائف التي تؤديها اللغة في المواقف الحياتية، تتكامل عناصر الاتصال من خلال (مرسل) تنشأ لديه رغبة في توصيل رسالة معينة، إما ردا على مثير واستجابة له، وإما رغبة في البدء بطرح مثير، ففي مجال الاتصال الشفوي هناك مرسل يخضع لسياق الحديث، فيضيف أو يعدل أو يحذف، ودور المرسل يتمثل في تركيب الرموز، وفي الطرف الآخر هناك (مستقبل) يحاول أن يفهم أشكال النطق التي صدرت من المرسل محاولا التنبؤ بمعاني ما غمض منها، فهو يستقبل الرموز التي استمع إليها، ويرجعها إلى رصيده منها مفسرا إياها في ضـــوء خبرته السابقة بهــــذه الرموز، فدوره يتمثل في فك الرموز التي تلقاها.
ويشير مصطلح “التواصل اللغوي” إلى الأشكال اللغوية التي تنتقل خلالها الأفكار والمعلومات والاتجاهات، ويشمل عمليات الإرسال والاستقبال، “وهذا التواصل يتحقق من خلال ثلاثة عناصر هي: موقف التواصل كالظرف أو السياق الذي يتم فيه التواصل كإحدى الحصص الدراسية مثلا، وحدث التواصل، وهو أحد عناصر الموقف كالتمهيد للحصة مثلا، أما فعل التواصل فيشمل مجموعة الجمل والعبارات التي تمثل محتوى الرسالة اللغوية، وتمثل جوهر عملية التواصل”
إن تعليم اللغة اتصاليا يستهدف إكساب المتعلمين المهارات اللغوية الأربع وتنميتها لديهم، وتمكينهم من مهارات الاتصال، واستخدام القواعد اللغوية من أجل أداء وظائف اتصالية معينه في مواقف معينة، فإنه من قبل يخلق مواقف طبيعية فردية وجماعية اتصالية مباشرة، من خلال محتوى لغوي، يركز فيه على تدريبهم على المحادثة الشفوية أولا، ثم التدريب على باقي مهارات اللغة بعد ذلك مع أفضلية تكاملها عند تدريسها، فالاستماع والكلام بجمعهما الصوت، إذ يمثلان كلاهما المهارات الصوتية التي يحتاج إليها الفرد عند الاتصال المباشر مع الآخرين، بينما تجمع الصفحة المطبوعة بين القراءة والكتابة، ويستعان بهما لتخطي حدود الزمان وأبعاد المكان عند الاتصال بالآخرين، وبين الاستماع والقراءة صلات من أهمها أنهما مصدرا الخبرات، إذ هما مهارتا استقبال لا خيار للفرد أمامهما في بناء المادة اللغوية أو حتى في الاتصال بها أحيانا, ومن هنا يبرر بعض الخبراء وصفهم لهاتين المهارتين بأنهما مهارتان سلبيتان، والحق غير ذلك، والفرد في كلتا المهارتين يفك الرموز بينما هو في المهارتين الأخريين (الكلام والكتابة) بركب الرموز، كما أنه منهما يبعث رسالة، ومن هنا تسميان مهارتا إنتاج أو إبداع، والمرء في المهارتين الأخريين مؤثر على غيره (مستمع أو قارئ)، والرصيد اللغوي للفرد فيهما أقل من رصيده في المهارتين الأوليين (الاستماع والقراءة)، إن منطقة الفهم عند الفرد أوسع من منطقة الاستخدام.
ويعد المدخل الاتصالي مدخلا تعليميا وظيفيا يقوم على تعليم اللغة من خلال مواقف حيوية واقعية، يستطيع فيها المتعلمون ممارسة اللغة من خلال مهارات أربع، هي، الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة، وذلك سعيا للتفاعل والتواصل في سياق لغوي سليم، لهذا يحظى التواصل اللغوي باهتمام كبير من قبل المختصين في تدريس اللغة، وذلك الاهتمام الذي يوضح أهمية التواصل اللغوي في التفاعل بين الناس، فهو الذي يحقق للفرد التفاعل مع الآخرين من أجل تلبية حاجياته وتحقيق أهدافه، فالتواصل اللغوي هو وسيلة التفاعل بين أفراد المجتمع، وبدونه لا توجد حياة اجتماعية حقيقية.
ركائز المدخل الاتصالي في تعليم اللغة: يقوم هذا المدخل على أسس عديدة أهمها:
ـ يتم تعلم اللغة في هذا المدخل من خلال مواقف اتصالية يتعـرض لها المتعلم فـي مواقـف اجتماعية متعددة، فاللغة يتم تعلمها من خلال الاتصال باللغة، وليست اللغة هي التي تعلم الاتصال، فالممارسة أساس تعليم اللغة، فلا يتوقف إتقانها على حفظ القواعد والتراكيب، بل يتوقف على إعطاء المتعلمين فرصة للممارسة التدريب على مهاراتها وأساليبهــا المختلفة.
– التدرج في الوظائف اللغوية التي ينبغي تعليمها للمتعلم، حتى يتمكن من استخدام اللغة في مواقف الحياة المختلفة، والذي يحدد الوظائف اللغوية المراد تعليمها للمتعلم هو الموقف التواصلي الذي يتعرض له مما يؤكد مبدأ وظيفية اللغة.
– يستعين المعلم في هذا المدخل بمختلف الوسائل السمعية والبصرية، مثل اللوحات، والصور، والأشرطة المسموعة والمرئية، وأصوات الناطقين باللغة الهدف، والنماذج الحسية، وذلك لإيجاد بيئة حقيقية، أو قريبة من الحقيقة.
ـ تعدد أدوار المعلم، فهو المبتكر، والميسر، والموجه، والمشارك في كثير من الأنشطة.
ـ التكامل بين مهارات اللغة لأن الموقف الاجتماعي التواصلي يستدعي كل هذه المهارات، إلا أن الموقف هو الذي يحدد غلبة مهارة على أخرة في ظل ظروف الموقف الاجتماعي.
ـ إن اللغة فـي ضـوء المـدخـل التواصلي ينظـر إليـها عـلى أنـها مهـارات حيـوية تستخدم عناصرها.
اللغوية من أصوات، ومفردات، وتراكيب، وقواعد ككل متكامل دون فصل بين هذه العناصر التي تستخدم في سياقات تواصلية حقيقية، بهدف الممارسة الحقيقية للغة وصولا إلى اكتسابها وتعلمها، والقدرة على التواصل بها في مواقف الاتصال اللغوي الذي يتعرض له مستخدمو اللغة، مما يدل على أهمية المدخل الاتصالي في تعلم اللغة بصورة إيجابية وفعالة.
ومن هنا تبرز ضرورة تحليل الاحتياجات اللغوية لدى متعلمي اللغة العربية في المواقف التواصلية المختلفة، التي يحتاجون فيها إلى استعمال اللغة، ومن ثم بناء وتصميم المقررات بالنسبة لهم، لأنها تلبي حاجاتهم ورغباتهم، كما أنها تساعدهم في الاتصال اللغوي الفعـال في المواقـف التي يتعرضون لها، وإن عملية تقدير وتحديد الحاجات اللغوية تعد أساسا فعالا لنجاح أي برنامج تعليمي، حيث يشعر متعلمو اللغة بتلبية احتياجاتهم اللغوية، وعدم ابتعاد ما يتعلمونه عما يحتاجون إليه، فتتوافر لديهم فرص إيجابية للممارسة الفعالة لما تعلموه، كما أن عملية تحليل الاحتياجات تستخدم كأداة فحص للسياقات والمواقف التي يحتاجون فيها إلى استخدام اللغة، مما يجعل عملية التعلم ذات معنى، وأكثر إيجابية بالنسبة لمستخدمي اللغة، لأن المقرر الدراسي قد أعد في ضوء احتياجاتهم الفعلية، فلا يشعرون بوجود فجوة بين ما يدرسونه، وما يحتاجون إليه فعليا.
ويعد تقدير الحاجات اللغوية خطوة أساسية في معظم المقررات الدراسية، وتحليلها يعد امتدادا طبيعيا لنظرية المنهاج التي بلورها “تايلر”، وأصبحت متداولة ومستعملة بكيفية واسعة بحكم توسع مجالات التعليم الوظيفي عامة، والمهني خاصة، ويعتبر أحد المنطلقات الأساس في تطويـر المناهج اللغويـة التـي ينبغـي أن تبنـى عـلى تحـليـل حـاجـات متعلـمي اللغة ومستخـدميـها، وتعـرف الإجراءات المستخدمة لجمع معلومات حول حاجات المتعلمين اللغوية التي تمكنهم من التواصل الفعال في المواقف المختلفة، ما يتحكم غي تصميم المواد التعليمية، واختيار طرائق التدريس الملائمة، وخبرات التعلم التي تقدم داخل الفصل الدراسي.
المدخل الاتصالي “التواصلي” في تعليم وتعلم اللغة العربية
التعليقات مغلقة